اقتصاد

حرب «الأيام السبعة»

| علي محمود هاشم

صورة أكثر نضوجاً لماهية الجغرافية السورية بدأت تتخذ حضورها في خطابنا الحكومي.
منتصف الشهر الماضي، ذهب وزير النقل إلى تفنيد حيويتها ضمن المبادرة الصينية الواعدة «طريق واحد- حزام واحد» وقدرتها على توفير 7 أيام من أزمنة الشحن قياساً بطرق التجارة القائمة حالياً شرق المتوسط، مبرزاً في سياقه، جانباً من الصراع فيها وعليها، ومن ضمنه التطلعات التركية المحمومة لاستدراج طريق الحرير نحو أراضيها بالإفادة من مخاوفه الأمنية جنوباً.
خطاب النقل، يتلاقى مع ما نقل باقتضاب عن زيارة وكيل الخارجية العراقية لدمشق قبل أيام، و«التجاوب» مع التطلعات المشتركة لفتح المعابر البينية، ليدلي وفدنا الحكومي إلى ملتقى رجال الأعمال السوري الروسي الأسبوع الماضي بقطعة أخرى، ملمحاً إلى تعزيز العمل المشترك في تحويل سورية إلى «مخدم إقليمي للمنتجات الروسية باتجاه الأسواق الأخرى ارتكازا على موقعها الجغرافي».
«الأيام السبعة» التي ساقها وزير النقل توفيراً في أزمنة الشحن، هي في الواقع واحدة من أسباب استهداف سورية، فما يمكن وصفه بـ«حرب الأيام السبعة» هذه، استطاعت إرباك التطلعات الصينية نحو الشرق الجديد بشريانه الأهم: طريق الحرير، كما ساقت مجرياتها المتبدلة، تبدلات موازية على ممراته المحتملة.
عام 2013، ذروة إحساس الغرب بالانتصار على الجغرافية السورية، دفعت بريطانيا ومن أمامها أميركا، برضيعهما الإخونجي التركي، للانتهاء سريعا من حفر نفق «مرمراي» تحت مضيق البوسفور كحلقة وصل متخيلة لما بين محطتي طريق الحرير التاريخي شرقا وغرباً.
ما سمته تركيا آنذاك «مشروع العصر»، شكّل حلمها باقتناص مكاسب اقتصادية هائلة وجسد تطلع الغرب إلى سيطرة أوسع على طريق الحرير، إلا أن بكين، المتشككة بالغدر التركي بعدما أعرب عن ذاته في سورية، وقدرته المتصاعدة على حشد ثنائية «التكفير الديني/ التعصب العرقي» التركستاني المتربصة بالمارد الصيني في إقليم شينغيانغ، لم تتأخر في شباط 2017 عن الدفع بطريق الحرير إلى إحدى عربات قطار «خط الحرير الجديد» الذي اخترق برحلته التاريخية القارة الروسية وروسيا البيضاء وصولاً إلى قلب القارة الأوروبية، موازياً الجغرافية التركية دون أن يمسها.
بعدها بـ6 بأشهر، متوسداً نجاحات الجيشين السوري والعراقي في تبديد قاطع «داعش» الإرهابي الاعتراضي عند حدودهما المشتركة، تدرّج فرع قطار الحرير الصيني «الصيفي» إلى العاصمة الإيرانية طهران عبر محطة كازاخستان التبادلية التي باتت تجسد أيضاً طريقاً برية روسية إلى مياه المتوسط، تحذو -فيما يبدو- خطا طائرات «توبوليف» التي لطالما قطعت أجواء آسيا الوسطى لدك ذراع أميركا الداعشية شرق سورية.
منذ ذلك الحين، لا يزال طريق الحرير رابضاً في محطته الإيرانية، وهو يرنو اليوم إلى تصعيد بريطانيا جهودها في تطويق مساراته البحرية عبر دول التاج ومشيخات الخليج في المحيط الهندي وبحر العرب وباب المندب، كما إلى حرف طريقه التدمرية عن مسارها التاريخي جنوبا، مستلّة لذلك عملاءها التاريخيين في جنوب العراق مروراً بالأردن وخليج العقبة وصولاً إلى شواطئ فلسطين، تارة عبر لعبة افتتاح معبر «نصيب» السوري الأردني وما ينطوي عليه ذلك من تحييده إلى ممر فرعي لمعبر «طريبيبل» الأردني العراقي الذي تهيمن عليه وعلى امتداداته، بالتكامل مع سعيها لاختلاق «نقاط إمداد تجارية» على ضفاف نهر الأردن، وتارة أخرى عبر تعظيم ميناءي حيفا وأشدود كنافذة لطريق الحرير على المتوسط والأطلسي، وثالثة عبر «جسر سلمان» المتخيل فوق صهوة جزر «تيران وصنافير»، باتفاق مثير للشفقة مع مصر!..
الصين التي تدرك تماما بأن «إسرائيل» ليست سوى وديعة بريطانية، وأن الأردن ومعظم مشيخات الخليج مؤخرات لها فحسب، وأن رهطهم يضاهي في تبعيته لحكومة التاج البريطاني تبعية النظام الإخونجي التركي له، يبدو أنها ترفض -حتى الآن- انجراف إصرارها على المضي في مد طريق الحرير إلى حدود قصم ظهر سرديته الحضاريته الفريدة عبر ترك مفاتيحه بين أيدي أعدائها.
على بعد بضعة آلاف من محطة انتظاره الإيرانية، تبدو سورية اليوم أكثر إصراراً على وصول طريق الحرير إلى محطته التدمرية وتحريره من تهديدات مخلبي القط اللذين شيدتهما بريطانيا وأميركا على أرصفته في التنف والجزيرة السورية، إلا أن الأمر رهن أيضاً بمقطعه العراقي، إذ رغم مصلحة البلد الشقيق المؤكدة في تذليل ما يعترض تمريره شرقا، فثمة ما يشي بمخاوف انصياع حكومته لرغبات تشريده نحو مسارات أخرى، يشرعن هذه المخاوف، خططها في هيكلة الظهير الطاقوي هناك، ومن ضمنها إصرارها المتسرع لإعادة ترميم المقاطع المدمرة من أنابيب «نفط الشمال» الممتدة من حقول كركوك، التي استحوذت عليها بريطانيا كليا مؤخرا، نحو ميناء جيهان التركي!
هذا الأنبوب الذي لطالما صبّ النفط السوري المسروق في ناقلات تقوم «بإطفاء راداراتها» للتعتيم على مساراتها نحو الموانئ الإسرائيلية، كما أكد رئيس الوزراء العراقي قبل أيام، إنما يوحي بتطلعات مضطربة حيال طريق الحرير، يشير إليها تحييد أنبوب «كركوك بانياس» الأقصر والأقل كلفة في ترميم مقاطعه التي دمرتها الطائرات الأميركية مطلع احتلالها للعراق.
على ذلك، فقد باتت نتائج معركة «الأيام السبعة» التي لامسها وزير النقل في سياق «حرب طريق الحرير»، رهناً بمآلات المقطع العراقي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن