قضايا وآراء

إعادة ترتيب ملفات الحل السياسي

| مازن جبور

التطورات الميدانية الأخيرة في الحرب السورية، لا بد أنها سترخي بظلالها على الملف السياسي للأزمة، بدءاً من جنيف، وصولاً إلى أستانا، وانتهاء بمؤتمر الحوار الوطني السوري السوري، الذي عقد في مدينة سوتشي الروسية، حيث إن للتموضع الميداني المقبل للفاعلين في الحرب السورية، أثره في تحولات الملف السياسي، ولعل أولى الخطوات القادمة على الصعيد السياسي، سيكون فتح منصات دولية للنظر في الحضور اللا شرعي للقوات الأجنبية على الأرض السورية.
وباعتبار أن ملفي استعادة الغوطة الشرقية لدمشق والاحتلال التركي لعفرين هما الملفان الأبرزان على الساحة السورية منذ مطلع العام الحالي، وستكون مآلاتهما مستقبلاً الحدث المركزي في توجيه دفة الحل السياسي، فإنهما يسقطان إلى درجة ما محددات أستانا السابقة والمتمثلة بالدول الضامنة واتفاقات «تخفيض التصعيد» بشكلها السابق، باعتبار أن إحدى مناطق «تخفيض التصعيد» الأربع باتت خارج السياق.
وإذا ما أخذ بالحسبان التقارير الإعلامية والأنباء التي تسري بخصوص العملية القادمة للجيش العربي السوري بعد الغوطة، سواء باتجاه وسط البلاد أم جنوبها، حيث يبدو أن معركة الجنوب غير موضوعة حالياً في الأولويات لاعتبارات عديدة، منها أن للجنوب حساسية من نوع خاص يفرضه وجود كيان الاحتلال الإسرائيلي وطبيعة الاتفاق الروسي الأميركي الأردني الموقع بشأن الوضع في تلك المنطقة، وما يشير إلى ذلك أيضاً ما أوردته وسائل إعلامية من أن معظم الميليشيات المسلحة في درعا قبلت ببرنامج المصالحة الروسي.
إضافة إلى ذلك، فقد أكدت روسيا أن المحطة القادمة بعد إنهاء ملف الغوطة الشرقية، ستكون جنوب دمشق ومنطقة القلمون الشرقي، فلجنوب دمشق أولوية بحيث تخرج العاصمة السورية ومحيطها بشكل كامل من معادلة الحرب، كما أن حساسية منطقة القلمون الشرقي تتأتى من موقعها المتصل بعمق البادية السورية وصولاً إلى منطقة التنف حيث الحضور اللا شرعي الأميركي، وباعتبار إبقاء السيطرة على القلمون الشرقي هدف أميركي للضغط على دمشق من خاصرتها الشرقية، ولقد أوردت «القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية»، على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أنه ستكون المحطة القادمة بعد الغوطة الشرقية، جنوب دمشق ومنطقة القلمون الشرقي، وكان قد سبق ذلك ما ذكرته «القناة المركزية» أيضاً، السبت 24 آذار، عبر قناتها على موقع التواصل الاجتماعي «تلغرام»، أنه «من المبكر الحديث عن موعد انطلاق العمليات العسكرية في مدينة درعا جنوبي البلاد».
ما سبق، يضع منطقة الجنوب السوري أمام سيناريو المصالحة الذي يتناسب مع خصوصية المنطقة، وهذا الاتفاق لا بد أنه سيمكن من فتح الطريق باتجاه الحدود الأردنية، بحيث يستعيد الجيش العربي السوري كامل الشريط الحدودي مع الأردن.
وإذا ما أخذ بالحسبان المساعي لإدخال منطقة تخفيض التصعيد في وسط سورية باتفاق مصالحة، حيث دعا الجيش الميليشيات المسلحة في وسط البلاد، عبر منشورات ألقتها مروحياته الأحد 25 آذار، إلى إلقاء السلاح وتسليم أنفسهم وسلاحهم والقبول بإجراء تسوية لأوضاعهم وأخذ الموعظة من المناطق الأخرى التي دخلها الجيش، وسط أنباء عن تسوية قريبة في المنطقة.
ومن ثم، يمكن رسم سيناريو التموضع الميداني المحتمل للحرب السورية على الشكل التالي: منطقة وجود كردي بإدارة أميركية في شمالي شرقي سورية، ومنطقة وجود مسلح بإدارة تركية في منطقة شمال سورية، ومنطقة وجود مسلح بإدارة أميركية أردنية في جيب صغير في أقصى الجنوب الغربي من سورية، وسيكون التوصيف الأمثل لهذه المناطق باعتبارها مناطق وجود مسلح خارجي غير شرعي أي «احتلال»، وهذا الأمر لا يمكن أن يطلع به مؤتمر من قبيل أستانا أو جنيف، بل يحتاج إلى منصات دولية جديدة برعاية أممية تحكم في وجود قوات غير شرعية على الأرض السورية بقواعد القانون الدولي، وهي ستكون مهمة أممية لحلفاء سورية في المرحلة المقبلة.
إن السيناريو الميداني السابق لتموضع الحرب السورية في المدى المنظور، فيما لو تحقق، سيتطلب إعادة النظر في ملف «تخفيض التصعيد» المنبثق عن اجتماعات العاصمة الكازاخية أستانا، كما سيعيد ترتيب الأدوار الفعلية لـ«روسيا وتركيا وإيران» بصفتها «الضامنة»، فلن يقبل بتركيا ذات الدورين المحتل والضامن، مما سيضع «أستانا» أمام تحد جديد، ولئن كان اجتماع وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا الأخير في أستانا قد أكد استمرار العملية، إلا أن مبررات استمرارها قد ترتبط بأهداف من نوع آخر وعلى رأسها الحفاظ على إحدى قنوات الاتصال المهمة بين محور حلفاء سورية وتركيا، ما سيتيح المجال لوضع أنقرة أمام التزاماتها كضامن في أستانا بخصوص احتلالها لجزء من الأراضي السورية.
بالنظر فيما سبق، قد يعود الزخم إلى مؤتمر سوتشي الذي حضرته شرائح واسعة من الشعب السوري، باعتباره المنبر الأمثل في المرحلة المقبلة للحل السياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن