قضايا وآراء

هيروشيما والإرهاب الأميركي الصهيوني المعاصر

| د. يوسف جاد الحق

قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية بقليل، تحديداً في السابع من آب عام 1945 ألقت أميركا قنبلة ذرية، هي الأولى في تاريخ البشرية، على مدينة هيروشيما اليابانية لتتحول المدينة وأهلها كافة إلى رماد متفحم، وعددهم ينوف على مئة ألف إنسان، فبدت وكأن يوم القيامة قد حلَّ بالبشر، ثم أتبعت جريمتها، العصية على التصور والوصف، بأخرى ذرية ألقتها فوق مدينة نجازاكي، وكان مصير أهلها جميعاً ذات المصير، أما من بقي على قيد الحياة ممن كانوا على الأطراف البعيدة، وهم قلة قليلة، فلم يسلم من الإصابة بالعمى والسرطان لمجرد رؤيته الإشعاع المنبعث من الانفجار الذري الرهيب، أورثوه لأبنائهم وأحفادهم من بعدهم وآثاره باقية فيهم حتى يومنا هذا.
كان من شأن ذلك دفع اليابان إلى الاستسلام دونما قيد أو شرط، خشية أن يحل ببقية ربوعها ما حلَّ بالمدينتين المنكوبتين بزوالهما من الوجود.
ما هدفت إليه أميركا يومئذٍ هو إرهاب العالم، وهو ما أعلنه الرئيس هاري ترومان، اليهودي، نفسه، ذلك أنه علم من مستشاريه وخبرائه أن اليابان سوف تستسلم من دون اللجوء إلى السلاح الذري، إذ إن قوته الردعية وحدها كفيلة بدفعها للاستسلام فكان جوابه بأنه يريد أن يعرف عالم ما بعد الحرب: من أميركا! وأنه ليس لأحد الخروج على الطاعة الأميركية سيدة العالم الأولى منذ الآن!
أخذت أميركا تصول وتجول في أرجاء الأرض، تفرض تهديدها ووعيدها على من تشاء من الدول والشعوب، باستثناء الاتحاد السوفييتي، ابتغاء تحقيق أطماعها في استغلال ثروات الآخرين وفي مقدمتها النفط ومشتقاته، وفق شروطها هي والتي لا تعدو كونها السلب والنهب والسرقة.
لم يعد خافياً على أحد ما صنعته أميركا بعد ذلك، فما من مكان في قارات الأرض الخمس إلا وطاله شيء من إجرام أميركا والصهيونية بصورة أو بأخرى. ونحن هنا حين نضيف الصهيونية إلى أميركا لأننا نعرف جميعاً الرابطة العضوية والتداخل الحميم الصميم، ومدى الأثر والتأثير بينهما حيث أصبحا وكأنهما جسد واحد وفكر واحد وتوجهات واحدة إزاء العالم كله.
أقامت أميركا المذابح وأشاعت الفتن والحروب الأهلية في أكثر بقاع العالم بعد الحرب العالمية الثانية، شهدنا وقائعها ومجرياتها وتفاعلاتها ولم نزل حتى اليوم، من ذلك:
أشعلت أميركا حرباً بين الكوريتين، الديمقراطية والجنوبية في الخمسينيات من القرن الماضي شاركت فيها بقواتها، حتى إن الجنرال الأميركي ماك آرثر اقترح على رئيسه ترومان ضرب كوريا الديمقراطية عند الخط 38 بالقنبلة النووية، ثم أقامت حرباً ضروساً دمرت فيها فيتنام، امتدت سنين طوالاً، فحصدت أرواح الآلاف المؤلفة من أهلها، دونما هوادة أو رحمة، ثم توالت اعتداءاتها وحروبها وإرهابها عن طريق جيوش مرتزقة بمسميات مختلفة، فشملت أفغانستان والباكستان والعراق والصومال وأواسط أوروبا في البوسنة والهرسك وصربيا وأوكرانيا، وها نحن نعيش اليوم ما سمي «الربيع العربي» على يد اليهودي الصهيوني برنارد هنري ليفي لحساب أميركا وإسرائيل، حيث لم يكد يبقى بلد عربي صامد مقاوم للأطماع الأميركية والصهيونية إلا وناله نصيب من الإرهاب الأميركي الصهيوني غير المسبوق في تاريخ البشر، أما عن تآمرها وحربها على سورية فَحَدِّث ولا حرج، والعالم كله شاهد على ذلك لا لسبب سوى وقوفها سداً منيعاً في وجه إسرائيل وأطماعها وتحركاتها في المنطقة العربية.
أما ما صنعته أميركا بفلسطين وأهلها عقب الحرب العالمية تماماً، ولم يزل قائماً حتى الساعة فغني عن كل بيان وهو أكبر وأفظع من أن تحيط به مجلدات العالم كله فنحن نعيشه يوماً بيوم وساعة بساعة، اللهم ما خلا «الضالعون والمشاركون» ممن يحسبون على الأمة العربية زوراً وبهتاناً، إن لم يكن ذلك كله إرهاباً أميركياً صهيونياً فماذا يمكن أن يكون!؟
قد يحسن بنا أن نعرض للظروف والأجواء التي أحاطت بقرار إلقاء القنبلة الذرية الأولى على هيروشيما ثم ثانيتهما على شقيقتها نجازاكي، فوفقاً لما صدر من كتابات ودراسات وأبحاث بعد ذلك، تؤكد أن الرئيس ترومان، خليفة الرئيس فرانكلين روزفلت، خاطب قائد الطائرة عندما كان فوق مدينة هيروشيما مستفسراً عما إذا كان لا يزال يعني إلقاء القنبلة على المدينة فعلاً، فلعله لا يقصد غير التهديد، أو لعله رجع عن قراره في هذه الأثناء فسأله ترومان: لماذا تسأل يا كابتن؟ أجاب الكابتن: أريد معرفة تعليماتك هذه اللحظة، هل أفعلها يا سيدي؟
تريث ترومان قليلاً إلى أن ينتهي من وضع القشدة و«المارملاد» على شريحة السندويش في طبق إفطاره، ثم تناول رشفة من فنجان شايه المحلى بالسكر والحليب وقال ببرود، غريب وغير طبيعي في مثل هذا الموقف: افعلها يا كابتن افعلها هذه هي أوامري؟!
وكان ما كان ففي طرفة عين، ومع آخر رشفة من فنجان «السيد ترومان» كانت القنبلة الذرية تهوي فوق هيروشيما لتجعلها وأهلها في الثواني ذاتها أثراً بعد عين!
وإذا ما خطر لسائل أن يتساءل لماذا لم تستخدم أميركا سلاحها الذري بعد ذلك في حروبها الكثيرة لكي تحسم الأمور على هواها وحسب مصلحتها؟ الجواب البديهي هنا هو أن دولاً أخرى وعلى رأسها الاتحاد السوفييتي سرعان ما توصلت إلى حيازة قنابلها النووية والهيدروجينية، ومنها فرنسا وبريطانيا، حليفتا أميركا، أعقبت هؤلاء كل من الصين والهند والباكستان.
أما إسرائيل فلها قصة أخرى، فهي وحدها التي أصبحت تملك قنابل ذرية في المنطقة سمحت بها أميركا، خلافاً للشرائع الدولية والقوانين الناظمة لمسألة التسلح النووي، في حين تحظر بل تمنع غير إسرائيل المدللة الاقتراب، من مجرد التفكير في المسألة الذرية، حتى لو كانت لأغراض سلمية، وما جرى حتى الآن مع إيران في صراعها مع دول الاستكبار والغطرسة لإثبات حقها في الحصول على الطاقة النووية السلمية وحدها، ليس تنازلاً لأولئك عن حقها في هذا التسلح بغرض الردع، ولكن لأن ثقافتها الدينية الإنسانية هي التي تمنعها من ذلك.
خلاصة القول: قنبلتا هيروشيما ونجازاكي الذريتان في آب 1945 أسستا للإرهاب الأميركي على مستوى العالم، ومازال هذا قائماً حتى اليوم، وكان الإرهاب الأميركي هذا سبباً في مقتل شعوب برمتها، وكأنها قطعان من السائمة لمصلحة تشغيل مصانع السلاح عندها، كما كانت سبباً رئيساً ومدمراً في إشاعة التخلف والتبعية والجهل في كثير من بقاع العالم، لا لشيء سوى مواصلة استغلالها وسرقتها لثروات تلك الشعوب التي أطلقت عليها تسمية «العالم الثالث» إمعاناً في ازدرائها والاستهانة بها، ولإبقائها على ما هي عليه دونما أمل أو حلم في مستقبل أفضل، وتدعي بعد ذلك كله أنها «رائدة الحرية والعدالة والديمقراطية»، فيا لها من مهزلة تتوج جبين عصرنا الراهن!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن