ثقافة وفن

رواية تفوح بعبق التوابل الهندية «عاشقة التوابل»

| هبة اللـه الغلاييني

شيترا بانرجي ديفا كاروني، هي كاتبة هندية تقيم حالياً في الولايات المتحدة الأميركية. حازت جائزة الشعر، وساهمت في تدريس الكتابة الإبداعية في كلية «فوت هيل» في «لوس ألتوس هيلز» بكاليفورنيا، كما ترأست مؤسسة ماتيري المخصصة لمساعدة النساء في جنوب آسيا.
في روايتها (الطبعة الأولى 2018)، تحت اسم «عاشقة التوابل» تعكس الكاتبة ولعاً وشغفاً بالتوابل، عن طريق بطلة روايتها الشابة «تيلو»، التي تعرف أصولها وألوانها المتعددة وتمّيز روائحها، وتّلم بأسمائها الأصلية، وفوائدها العديدة، كما تستطيع فك أسرارها وطلاسمها (حبوب الفانيليا المنقوعة في حليب الماعز ليفرك بها عظم الرسغ للوقاية من العين الشريرة) و(مقدار من الفلفل عند أسفل السرير، مرشوش على شكل هلال لطرد الكوابيس) و…
تحت ضوء الشمس

كلمة «تيلو» هي اختصار لـ«تيلوتاما» نسبة إلى بذور السمسم اللامعة تحت ضوء الشمس، غير أن اسمها الأصلي هو ما أطلقه أهلها عليها عند ولادتها (نايان تارا) أي نجمة العين الذي حملته لفترة قصيرة، إلى أن تدربت على تحضير التوابل القديمة، وبرعت في ذلك، بعد أن عينتها الأم الكبرى عضواً فعالاً من خلال خضوعها لطقوس خاصة وسط النيران المقدسة، بعدها أصبحت «تيلو» خالدة تقطن في جسد هرم لامرأة عجوز «إنهم لا يدركون طبعاً أنني لست عجوزاً، وأن هذا الجسد الذي أسكن فيه ليس لي، فقد سكنّته بعد أن أديت طقوساً مقدسة حول نيران الشمباتي (طائر أسطوري) كنت قد أخذت عهداً على نفسي حينها بأن أصبح عاشقة للتوابل، فأنا أتفاعل مع تجاعيد جسدي وحدبته كتفاعل المياه مع التموجات التي تشكلّها، كما أنهم لا يلاحظون العينين اللامعتين المتقدتين تحت جفوني المتهدلة، لا أحتاج إلى مرآة، فالمرايا محرّمة على عاشقات التوابل لأنها قد تخبرنا بما حرمته علينا النيران المظلمة».

من الهند إلى أمريكا
«بازار التوابل»، هو اسم متجرها في منطقة أوكلانو بأميركا، الجدران في الداخل مملوءة بخيوط العنكبوت والصور الباهتة للآلهة بنظراتها الحزينة، والصناديق المعدنية التي فقدت بريقها ولم تعد تلمع كالسابق تحوي داخلها جبالاً من الأرز البسمتي والمطحون والماسوردال (العدس الأحمر الحار) وصفوفاً كثيرة من أشرطة الفيديو التي تعود إلى أيام الأبيض والأسود، وقطع من النسيج المصبوغ بألوان باهتة، ويّعد هذا المتجر رحلة قصيرة للانغماس بالملذات الدنيوية.
في الرواية وصفات سحرية لكثير من البهارات المشهورة بمفعولها السحري فهناك « الكركم» الذي يرمز إلى لون الفجر وصوت أصداف المحار، وهو يوصف بـ(بهار السعادة) الذي نضعه فوق رؤوس الأطفال حديثي الولادة لجلب الحظ، ونرشه فوق ثمار جوز الهند أثناء طقوس العبادة الهندوسية وندعك به حواشي أثواب الساري وقت الزفاف، وهو الدرع الواقي من تسلل الأحزان إلى القلب، والمرهم الذي ندهنه عند الموت أملاً في الانبعاث من جديد.

رائحة الهند
أما (القرفة) التي تسمى (الفلفل الحار) فهي تابل يوم الخميس (يوم الحساب) اليوم الذي نقوم فيه بحصد ما زرعناه.. يوم العذاب والهلاك، فالقرفة هي البهار الذي يقضي على الأعداء ويمدك بقوة تصل إلى ساقيك وذراعيك وفمك، وهو ما سيجعلهم يهابونك كلما رأوك. أما تابل يوم الثلاثاء فهو (الحلبة)، تلك التي تجّدد جمال الأجساد البشرية لتصبح قادرة على الحب، هي بذور منقطة، كانت شاباري (أكثر معمّرة في العالم) هي أول من قام بزراعتها، ويسخر الشباب من مفعولها ويظنون أنهم لمن يحتاجون إليها، لكنهم يوماً ما وفي أقرب وقت سيدركون أنهم كانوا مخطئين. تساعد التوابل المتنوعة في حل مختلف المشاكل، ولكل شخص تابله الخاص، كذلك لكل يوم تابله، غير أنه لا يسمح لسيدات التوابل باستخدام البهارات لتحقيق غاياتهن الشخصية. يسمى التابل المخصص لكل زبون بالمحمول (جذر البهار) ويختلف من شخص لآخر، ويساعد المحمول في جلب الحظ والنجاح والسعادة.
صادف لقاء «تيلو» مع «العازب الأميركي» مساء يوم الجمعة حيث تزامن مع ظهور القمر المكتمل، لفت نظرها وجهه الوسيم بعظام وجنتيه المائلة والموحية بالعناد وخطوط فكّه الحادة وشعره الكثيف الأسود المائل للأزرق والمسترسل فوق جبينه بكياسة عفوية، سحرتها عيناه الداكنتان، وبصيص النور الوامض فيهما، فهي في بادئ الأمر لم تستطع قراءته مطلقاً، لتعرف «التابل» الذي يناسب شخصيته، غير أنها كانت مفتونة به. تردد في ذهنها، أغنية من حجر: «على عاشقة التوابل أن تنزع كل رغباتها من صدرها وتملأ ما تشعر به من فراغ بتأمين احتياجات الزبائن فقط». حاولت أن تتجاهل ذلك الصوت، أن تدير ظهرها له، وحاولت أن توقف صوت عقلها، لتظّل مسيطرة على عالم التوابل. وعندما تكرّر مجيء «العازب الأميركي» إلى متجرها، بدأ الحب يتسلل إلى قلبها، وبدأ الصراع بين عقلها وقلبها، كيف لها أن تتخلى عن البهارات مقابل إرضاء رغباتها وشهواتها؟! لابد أن تصيبها لعنة «الشمباتي» وستحرق بنيرانها، إذا ما تخلت عن التزامها تجاه «توابلها» وتجاه «الأم الكبرى».

الأثر في الحياة
بدأ «ريفن» وهذا هو اسمه، وتحت تأثير بهار «الفلفل الأسود» يسرد قصة طفولته، علاقته بوالدته، تأثره بسلوكها الغامض المتناقض، أباح لها بمكنونات نفسه، لأنه امتلأ ثقة بها، وأحبها على الرغم من ظهورها بمظهر المرأة العجوز، وبادلته الحب:
«شعرت بأن أحدهم يعصر قلبي بقوة كما تعصر النساء الغسيل المبتل ليجف. أعترف للمرة الأولى في حياتي أنني وقعت في الحب. لكن، يختلف هذا الحب كثيراً عن حبي للأم الكبرى أو للتوابل حتى إنه حب إنساني يصعب تفسيره، يتطلب الكثير من الأخذ والعطاء والاستياء والحماس فهو مغامرة خطيرة. لا أقصد بالخطورة خوفي من عقوبة التوابل، بل الخوف الحقيقي يكمن في خسارة هذا الحب الجديد. فكيف سأستطيع العيش بعد ذلك؟ أنا تيلو… التي لطالما اعتقدت أنها لا تقهر».
وعندما قررت «تيلو» أن تفسح لمشاعرها ونداء قلبها بالظهور، التجأت إلى «الما كارادواج» تابل الشباب، لكي يحوّلها إلى أجمل امرأة في الوجود. «اجعلني جميلة أيها الماكارادواج، امنحني جمالاً لا مثيل له على هذه الأرض. أريد جمالاً يتعدى مخيلة ريفن، لليلة واحدة فقط، أريد أن ينبهر، أريد أن تبقى آثار جسدي الجديد ملتصقة بأصابعه للأبد، ما يجعله غير قادر على نسيان ملمسه حتى عندما يكون برفقة امرأة أخرى».

بين الحب والعقاب
وبعد أن مارست الحب مع «ريفن»، كانت مستعدة لتلقي العقاب، واستسلمت للعذاب المنتظر، لقد عرفت تماماً أنها امرأة عادية، وليست آلهة، امرأة، لها قلب، ولها عشيق، ولم تعد تبالي بعواقب تحديها قوانين «الأم الكبرى». وأنقذها «ريفن» من زلزال هز المتجر، والمنطقة كلها، وكأن هذا الزلزال كان بمنزلة العقوبة التي كانت تنتظرها. لتكمل حياتها برفقة «ريفن»، مودعّة حياة «التوابل»، ومستسلمة لحياة حسّية عصرية تناقض حياتها السابقة.
الجدير بالذكر أن فيلماً سينمائياً أنتج عام 2005، ويحمل اسم «سيدة التوابل»، من إنتاج سينما بوليوود وبطولة «آشوارياراي»، أحداثه شبيهة بالرواية المذكورة، مع بعض الاختلافات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن