قضايا وآراء

زمن التحولات الكبرى في العالم

د. قحطان السيوفي : 

وردني سؤال من قارئ عربي (هل التحولات العالمية الكبرى التي حصلت أو قد تحصل في القرن الحادي والعشرين، تفوق بأهميتها التحولات التي حصلت في القرن العشرين؟ وأين موقع العالم العربي من هذه التحولات؟).
بداية لابد من الإشارة إلى أن لكل مرحلة تاريخية ظروفها وقراءة الأحداث في القرن العشرين تظهر التحولات التي تمت بدءاً من الحرب العالمية الأولى، إلى الحرب العالمية الثانية وانتصار التحالف الغربي السوفييتي، وما تبع ذلك من إضعاف الولايات المتحدة الأميركية لنفوذ حلفائها من الإمبراطوريات البائدة فرنسا وبريطانيا دون أن ننسى تأميم قناة السويس، وفشل الحرب الإسرائيلية الفرنسية البريطانية على مصر 1956 وأيضاً حرب تشرين السورية المصرية ضد إسرائيل عام 1973 ثم الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفييتي في ثمانينيات القرن الماضي حيث صعدت واشنطن المواجهة الأيديولوجية والعسكرية مع موسكو، وتبنت واشنطن الإرهاب وأرسلت الآلاف من الإرهابيين إلى أفغانستان لإسقاط نظام كابول بتمويل من دول خليجية عربية، وكان سقوط الاتحاد السوفييتي تحولاً عالمياً كبيراً؛ أدى إلى انفراد الولايات المتحدة بالهيمنة على العالم حتى بداية القرن الواحد والعشرين حيث شهد العالم تحولاً شكلياً لتنظيم القاعدة الإرهابي الذي خلقته أميركا والسعودية، ونفذ هذا التنظيم في نيويورك عام 2001 أكبر عملية إرهابية في التاريخ وما تلا ذلك من غزو أميركا لأفغانستان، والعراق، وجاء ظهور مجموعة بريكس (روسيا، الصين…) 2005 ليحدث تحولاً عالمياً كبيراً بظهور القطب االثاني في العالم، وكان انطلاق الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 تحولاً وحدثاً مدوياً أضعف الاقتصادات الغربية، وأثر سلباً في السياسة الداخلية، والخارجية لأميركا، وظهرت نتائج التحولات هذه مع مجيء إدارة الرئيس الأميركي أوباما التي أخذت بالتحول أكثر وأكثر باتجاه الداخل، على حساب توجهاتها العالمية، لكن إدارة أوباما لم يعد يهمها -كثيراً – مدى تأثيرها المباشر على الساحة العالمية تماماً كما يحدث -واقعياً – على الساحة السياسية.. وقامت -تحت ضغوط اقتصادية وسياسية- بسحب قواتها من العراق وأفغانستان، وأجرى الرئيس أوباما – في سنوات ولايته الأخيرة – تسويات مع بعض أعداء أميركا التقليديين كوبا مثلاً.
الواقع أنه مهما تعددت الاجتهادات والتفسيرات للمشهد العالمي منذ بدء الأزمة الاقتصادية العالمية 2008، وحتى الآن تبقى هذه الأزمة تحولاً، ومنعطفاً تاريخياً حقيقياً على صعيد الحراك العالمي، ولها تأثير مباشر على صنع القرار العالمي نفسه وساهمت في تغيير الكثير من المعالم والمفاهيم الاقتصادية والسياسية المعروفة وقد شعرت الولايات المتحدة (على سبيل المثال) أنها غير قادرة على قيادة العالم اقتصادياً ما دفعها مع حلفائها الأوروبيين إلى إحداث مجموعة العشرين في محاولة لإنقاذ الاقتصاد العالمي الغارق في أزمته. إننا متفقون مع المحللين بأن التحول في المشهد العالمي يطول الدول الفاعلة التقليدية صانعة القرار فلم يعد القرار العالمي أحادياً أي إن التحول الأهم يتمثل في أن آلية صنع القرار؛ أصبحت جزءاً من مجموعة مصالح تشكل سلسلة عالمية، ويجب فهم ذلك في إطار تغيير هيكلي في مراكز القوة التقليدية العالمية، وأنه بعد سنوات لن تكون مراكز صنع القرار في الدول التقليدية تاريخياً، والمقصود بذلك الولايات المتحدة، وأوروبا الغربية.
كل المعطيات والمؤشرات منذ مطلع القرن الواحد والعشرين تؤكد تحولات عالمية كبرى جرت وتجري، وأن دولاً كروسيا، والصين أصبحت في دائرة القرار الدولي على الساحة الاقتصادية والسياسية في رأينا. يشكل هذا تحولاً فعلياً في صنع القرار العالمي، وهذا التحول بات أكثر وضوحاً، وحضوراً، وفاعلية، مما كان عليه قبل عقد من الزمن وهو تغير سريع في الخريطة لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، ونشير هنا إلى أمثلة واقعية لبعض من الدول الغربية التقليدية كبريطانيا التي يشغلها اليوم هاجس الاتجاه شرقاً، وهذا ما يفسر هرولة وتدافع دول أوروبية عديدة (من حلفاء أميركا) لتكون بلداناً مؤسسة في بنك التنمية الآسيوي الذي أحدثته الصين وعلى الرغم من الاعتراضات الأميركية الصريحة، وهذا مثال على التحولات الكبرى التي تتم في عالم اليوم في العالم العربي جاء التحول الأهم فيما سمي الربيع العربي الذي تحول إلى شتاء أسود في إطار مشروع إسرائيلي أميركي تموله وتدعمه دول إقليمية متورطة بدعم الإرهاب هدفه تدمير مؤسسات الدولة الوطنية في العالم العربي، وتهميش القضية الفلسطينية وقد أخفق هذا المشروع، وكان الاتفاق النووي بين إيران والعالم تحولاً كبيراً في الشرق الأوسط إضافة إلى تورط دول إقليمية داعمة للإرهاب في مستنقعات داخلية، وإقليمية وأخيراً أقول للسائل الكريم سيكون التحول الأكبر باتجاه سورية ؛ حيث ستصل القوى العالمية، والإقليمية ، والمجتمع الدولي إلى قناعات مشتركة بضرورة إعطاء الأولوية؛ لمكافحة الإرهاب، وضرورة، وأهمية دعم مؤسسات الدولة الوطنية السورية في معركتها ضد هذا الإرهاب وحل الأزمة السورية بالحوار والتوافق بين السوريين. لتخرج سورية من محنتها وطناً موحداً، مستقراً، جميلاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن