اقتصاد

ولع «المقصقص»!

| علي محمود هاشم

خلال السنوات الأخيرة، ذاب الحديث عن الركود في «مجاري» إنجازاتنا الافتراضية عن «التعافي الإنتاجي».
لا تستسيغ آذان الحكومة لفظة «الركود»، ليس لعطب في الكلمة، بل لأنها التعبير الكاشف عن نجاعة سياساتها الاقتصادية، هي تفضل «موشّح تعافي الإنتاج»!.. لكن، كيف يمكن فهم ذلك «التعافي» بلا تعافٍ تلقائي مواز في قدرة المستهلكين وفي عديدهم، وهم الركيزة الأساسية لذلك الإنتاج الذي تتحول معه وبه جموع العاطلين، إلى مستهلكين؟!.
لنا تاريخ قصير مع الركود التضخمي الذي يعانق رقبة اقتصادنا كـ «حبل»!، يعود إلى اليوم الذي اكتفت فيه الإنجازات الحكومية المتعاقبة بمحاباة المستوردين عن طريق شراء التضخم خلال السنوات الأولى للحرب.
وبعدما ضرب احتياطياتنا الأجنبية ضيق الحال، قبضت «إنجازات» الحكومة على أصحاب الأجور قبل دفعهم عنوة إلى مشاركتها الأعمال الشاقة في شراء التضخم، عبر اقتطاع أجزاء متتالية من قيمة أجورهم تارة، وبتشجيع اقتراضهم المصرفي لزوم الحفاظ على وتائر استهلاكهم تارة أخرى.. مجدداً ودائماً، كان الأمر مجرد محاباة للمستوردين بعدما انشقوا إلى: تجار ومهربين.
اليوم، لم يعد لدى الحكومة ولا لدى ذوي الأجور، ما يشترون به..
السهر الطويل على توليف الاستهلاك المدعوم من الخلف عملاً بإيمانيات «الحميماتية»: «نعمل بالمقصقص حتى بأتينا الطيّار»، استنزف، ولسنوات قادمة، قدراتنا الممكنة على تجاوز السنتيمتر الأول من عتبة التعافي، والحال كذلك، ها هو الركود التضخمي يتأملنا جميعا من فوق صدورنا؟!
وبعدما وصل «البلّ» إلى ذقن الإنتاج الوطني انطلق البحث عن المخارج الممكنة، وتطايرت معه الاستراتيجيات في الهواء: «دعم الصادرات، التصنيع للتصدير.. « كمحاولة محمومة للاستعاضة عن تقهقر الطلب الداخلي، بآخر خارجي…
فشلنا أيضا، لأسباب بعضها خارج عن إرادتنا!
رغم بعض إيجابياته، يشي حل «التصدير» بانقطاع نية السياسات الحكومية، أو هي عاجزة، عن تضميد جراح «الطلب الداخلي الفعال» من باب تصحيح الخلل القائم في توزيع الأرباح الكلية التي تذهب غالبيتها الساحقة إلى قلائل لا يمكنهم الاستهلاك وفقاً للوتائر المطلوبة.. ففي النهاية لا يستطيع هؤلاء «القلّة”، تحويل منازلهم إلى مستودعات قومية للسلع الوطنية؟!
حل «التصدير”، أفصح أيضا عن الارتباك الشديد في وضع الإجابة الشافية للسؤال الفلسفي: أيهما أسبق «البيضة أم الدجاجة».. بأيهما نبدأ: التضخم الذي استنزف المستهلكين.. أم الركود الذي استنزف الإنتاج؟!
حين تتشابك الأزمات، قد يكون الأنجع العودة إلى الأصول..
يحتاج الركود شريحة واسعة من المستهلكين، أنت تنتج حين يكون ثمة شارٍ محتمل أولاً.. إذاً، كيف يمكننا الحصول على هؤلاء؟!
هذا هو لربما السؤال الجوهري وفق المعطيات الاقتصادية القائمة، بما فيها صعوبات التصدير.
بالتأكيد، سيكون لمكافحة التهريب دور بارز في تركيز الاستهلاك لدعم الإنتاج المحلي القائم عموديا، لكن أيضا، ثمة ضرورة ملحة لدعم الاتساع الأفقي لجيش المستهلكين بما يؤسس لتعافي الإنتاج على المستوى الأفقي.. كيفما نفعل ذلك، ستكون النتائج.
خلال موسم الصيف، قد تكون الفرصة متاحة أمام المستشارين الحكوميين لوضع استراتيجيات قريبة المدى لقطع ذلك «السنتيمتر» الأول من عتبة الركود، هذه الفرصة المحتملة، تتيحها التوقعات الإيجابية حيال الموسم الزراعي القادم والتحرير المرتقب لأسعار المشتقات خارج البطاقة الذكية، إلى جانب انضمام منتجات خدمية عديدة إلى الكتلة السلعية خلال موسم الصيف طبقا للاستهلاك الداخلي والاغترابي، إلى جانب عوامل أخرى تتعلق بالتصدير إلى الجوار، العراقي تحديدا.
ضمن هذه البيئة المشحونة بالأمل، قد تكون الفرصة مواتية لضخ التمويل المصرفي بما يلطف حدة التوقعات التضخمية لذلك الحين من الزمن الذي تتطلبه القفزة الأولى من حفرة الركود.
حتى ذلك اليوم، حري بالمصارف التوقف عن التبجح بابتكار المنتجات الاستهلاكية التي تبيع «الركود التضخمي» للمستقبل، وعن الإنفاق لترميم رشاقتها الإلكترونية، والبدء بتخصيص وقت كاف من عبقريتها للبحث عن زبائن منتجين من جميع التصنيفات، وأهمها تلك التي تنتج مع سلعها، مستهلكين مستقرين، كما في المشاريع الصغيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن