قضايا وآراء

لماذا قرّر هولاند محاربة «داعش» في سورية؟!

باسمة حامد : 

شكّلت تصريحات فرانسوا هولاند الأخيرة تطوراً لافتاً في الموقف الفرنسي من الملف السوري، فقبوله بما رفضه سابقاً أي السماح لطائرات بلاده بالقيام في طلعات جوية فوق سورية تمهيداً لشنّ ضربات ضد التنظيم المتطرف يعكس تحولاً لافتاً في الإستراتيجية الفرنسية المتبعة حيال ظاهرة الإرهاب.
ففرنسا تشارك أصلاً في محاربة «داعش» بالعراق فقط ضمن تحالف واشنطن الاستعراضي والفاشل، وهي من أكثر الدول الأوروبية التي تناهض «النظام السوري» ولطالما سعت لتدخل عسكري ضده على مدى السنوات الأربع الماضية، ومن المفيد التذكير بأنها دعمت التوجه الأميركي لضربه عسكرياً باعتباره «يقف في الكفة ذاتها مع داعش» وهما متهمان -من وجهة نظر هولاند- بمقتل مئات الآلاف!!
لكنها اليوم وكدولة تابعة للسياسات الأميركية وبعد تعرضها لسلسلة هجمات إرهابية ووقوعها في أزمة تسلل أعداد من «الجهاديين» إلى أراضيها ضمن موجات الهجرة غير الشرعية (وفق تقارير أمنية وإعلامية) تحاول مواكبة المناخ الدولي الجديد الذي يشهد الكثير من المتغيرات المهمة:
كالانفتاح الدولي على سورية وإيران، وترسخ الدور الروسي، وتزايد الدعوات الغربية بشأن دعم الحل السلمي السوري انطلاقاً من الاعتراف بالحاجة إلى دور الرئيس الأسد في الجهود العملية لمحاربة الإرهاب وإعادة الاستقرار إلى سورية، واعتراف الغرب «بالهزيمة» والإخفاق بتصنيع «معارضة معتدلة لا تشرف على شيء» كما وصفتها النائب في البرلمان الأوروبي التشيكية كاترجينا كونيتشنا.
ولمواكبة هذا المناخ، بدأ هولاند الرئيس الأقل شعبية في أوروبا الذي يسعى الآن لإنقاذ شعبيته المتهاوية من بوابة الحرب على «داعش» بصرف النظر عن متطلبات المصلحة الوطنية والأمن القومي في فرنسا يتحدث بمنطق جديد ليبرر هذا التحول: «داعش وسع نفوذه بشكل كبير منذ عامين» ومن الملاحظ أن هذا المنطق تميز بالعناوين التالية:
1- الإقرار بالجهل بما يحدث في سورية والعراق: «ما نريده اليوم في سورية هو معرفة ما يحضر ضدنا وما يجري ضد الشعب السوري».
2- التركيز على نقطتين أساسيتين مفادهما: تحميل المسؤولية «لداعش» عما يحدث في العراق وسورية: «هو من يدفع من خلال المجازر التي يرتكبها بآلاف العائلات إلى الفرار»، وامتلاك الأدلة على أن تنظيم البغدادي يخطط من سورية لهجمات على الدول الأوروبية وبالأخص فرنسا.
3- تأكيد ضرورة «إنهاء الفوضى السائدة في سورية» والحل السياسي بمشاركة جميع الأطراف: «دول الخليج وروسيا وإيران والدول الأعضاء في التحالف»، رغم رفضه المتكرر لفعل أي شيء «يعزز (الرئيس) بشار الأسد أو يبقيه في السلطة».
4- القول إن بلاده لن ترسل قوات برية إلى سورية ربما يعكس إشارات فرنسية غير مباشرة إلى أهمية الجيش العربي السوري في محاربة الإرهاب.
ولا شك أن هذا الموقف بالمحصلة يشكّل إعلاناً صريحاً وعملياً على الانسحاب الفرنسي من خطط «إسقاط النظام السوري» والاستجابة للخيار الأكثر أهمية وأولوية بالنسبة للغرب اليوم أي: تقليص حجم التطرف والتصدي للإرهاب كتهديد ملموس سيطيح بأمن واستقرار العالم إن لم تتضافر الجهود الدولية لمحاربته.. وهذا لن يحدث إطلاقاً من دون مشاركة سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن