اقتصادالأخبار البارزة

الوزارة ضغطت على المعمل لتشغيل الفرن بتكلفة 300 مليون ليرة.. والآن ضغوط لإيقافه! … «فساد» في فرن «الزجاج».. والملف في ذمة الحكومة

يبدو من التصريحات الحكومية أن معالجة الفساد في شركات القطاع العام ومحاسبة من يتورط في سرقة المال العام أو هدره أصبح في مقدمة الأولويات على اعتباره أحد الملفات الهامة والشائكة التي تواجه التنمية والنهوض الاقتصادي.
لكن ما يجري في بعض شركات ومؤسسات وزارة الصناعة لا يخفى على أحد، والعجيب أن الواقع من سيئ إلى أسوأ، وما يجري تحديداً في شركة زجاج دمشق يوحي باحتمال وجود شكل من أشكال «الفساد»، وهدر للمال العام، وعدم جدية في تطوير القطاع العام من قبل القائمين عليه.

«فساد» في الفرن
القضية بالتفصيل تتعلق بتشغيل بعض الخطوط المتوقفة في الشركة العامة للزجاج سعيا إلى تحريك عجلة الإنتاج، علما بأن الآلات الموجودة في الشركة بدمشق منسقة منذ نحو ثلاثين عاماً بحسب الجهات المسؤولة في الوزارة.
وبتاريخ 18/12/2013 اجتمع وزير الصناعة مع مجلس إدارة المؤسسة العامة للصناعات الكيميائية، ومن جملة مناقشاته كانت الإجراءات المتخذة لتشغيل فرن الزجاج المحجر في شركة زجاج دمشق، وحينها وجه الوزير بضرورة الإسراع بالتشغيل، نظراً لفقدان هذه المادة في الأسواق. وصدر قرار في حينه تم توجيهه للشركة بالإسراع بإنهاء كافة الأعمال المتعلقة بالتشغيل. وتضمن القرار أن يكون سعر مبيع المتر الواحد من الزجاج المحجر 1200 ليرة سورية كحد أدنى دون إجراء أي دراسة للسوق لمعرفة الأسعار، حيث أكدت مصادر معلومات «الوطن» المطلعة على الموضوع أن سعر المتر في السوق وقتها كان يزيد عن 1500 ليرة سورية تخميناً.
وبالفعل قامت الوزارة بزيارة إلى منطقة الشركة لتغطية أهمية التشغيل إعلامياً ثم بدأ الضغط على الشركة بعدة كتب للإسراع بالتشغيل والتأكيد على الإسراع بالإقلاع بتشغيل الفرن وتأكيد المؤسسة على التشغيل في كتابها رقم م. ك /3585 تاريخ 12/12/2013 المتضمن الإسراع في تشغيل الفرن وتحميل المسؤولية للشركة عند البيع بسعر أقل من 1200 ليرة سورية للمتر الواحد، وبعد العديد من المناورات تم تشغيل الفرن دون دراسة اقتصادية، ودون معرفة أوضاع السوق، وتم دفع تكاليف ما يعادل 300 مليون ليرة سورية لإجراء عمرة للفرن (كما هو معروف فرن الزجاج عندما يتم الإقلاع لا يتوقف إلى بعد ما يزيد عن عشر سنوات وإلا فسيفقد ما تم دفعه مقابل العمرة). علماً بأن الشركة لم تملك سيولة مالية، فاقترضت مبلغاً كبيراً لشراء المواد الأولية اللازمة، التي تم شراؤها من «أحدهم»، وبعد شراء كميات كبيرة وإنتاج ما يقارب 8000 طن تراكمت المخازين في الشركة، ولم تستطع بيعها لا بالسعر المحدد من قبل الوزارة البالغ 1200 ل. س ولا حتى بأقل من سعر السوق، والسبب هو عدم القدرة على المنافسة لارتفاع أسعار المواد الأولية المشتراة من الشخص ذاته. فامتلأت ساحات الشركة ومخازنها بالإنتاج ولم تبع الشركة سوى 200 طن وباقي الإنتاج ما زال مكوماً حتى تاريخه، عرضةً للتكسير، نظراً لضعف مواصفات المواد الأولية المشتراة، وذلك وفقاً للمصادر المطّلعة.

الحلقة الثانية
عند هذا الموقف بدأت الحلقة الثانية من المسلسل التي تتلخص بضرورة تسهيل عملية توقيف الفرن بذريعة شراء المواد الأولية اللازمة للإنتاج بأسعار أعلى من السوق، ما يجعل المنتج غير قادر على المنافسة وبمواصفات متدنية يجعل المنتج سيئاً.
وبحسب المصادر، تبين أن هناك اجتماعات جرت بين الوزير والقائمين على الشركة، والتي كانت بدورها قد أرسلت كتاباً تطلب فيه الموافقة على إيقاف الفرن مع العلم أن العمرة التي كلفت 300 مليون ل. س ستفقد قيمتها لأن العمرة يجب أن تكون لعشر سنوات وتبرر الشركة أسبابها بالوثائق.
وبعد أخذ ورد وافق مجلس إدارة المؤسسة على وقف تشغيل الفرن في محضر اجتماعه رقم 6 تاريخ 19/3/2015 ويبرر موافقته بعدة أسباب، أبرزها ارتفاع التكاليف وعدم القدرة على المنافسة.. وغيرها.
والمشكلة الأكبر -حسب المصادر- أن تشغيل الفرن تم بقرض من المؤسسة الكيميائية بقيمة 300 مليون ل. س وحتى تاريخه ولم يرد.
ما نريد التأكيد عليه أن مشروع الفرن فشل، حيث تم دفع 300 مليون للعمرة وهي قرض مستحق على الشركة وبالمقابل تم إنتاج 8000 طن حتى ولو تم بيعها جميعاً فلن تغطي كلفة عمرة الفرن!
علماً بأن هذه الكميات حالياً قيد التكسير في مستودعات وساحات الشركة والمهم هو شراء الشركة لمواد أولية من قبل تجار بتسهيلات من المعنيين. هذا ما نفهمه من سياق القضية.
وما نريد توضيحه أن الاجتماع الذي عقد بين الشركة والمؤسسة العامة للصناعات الكيمائية، وفق ما هو مثبت في محضر الاجتماع، أن هناك تراكم مخازين كبيرة من الزجاج المحجر في الشركة وأن المبيعات قليلة جداً وبناء عليه قدمت الشركة مجموعة من الإجراءات من أجل تسويق المنتج عن طريق التعاقد مع وكيل لكل المحافظات وتم إنهاء العقد نظراً لعدم استجراره الكميات المتفق عليها عقدياً.
كما تم الحصول على قرار منع استيراد الزجاج المحجر إضافة إلى أنه تم الحصول على قرار إلزام كافة الجهات العامة باستجرار الزجاج المحجر من الشركة والاتفاق مع الاتحاد العام للحرفيين باستجرار المنتج بشكل مباشر من المعمل مع منحهم حسم 3% على شكل بضاعة.

إشارات استفهام
أوضح المصدر أن الشركة كانت تعاني من مجموعة من الصعوبات أولها حدوث انقطاعات كهربائية ورفات متكررة ضمن الواردية الواحدة والتي أدت إلى تشغيل المجموعات لمدة لا تقل عن 6 ساعات يومياً في عام 2014 وفي العام الحالي وصلت إلى مدة 14 ساعة يومياً وبمعدل استهلاك مازوت 125 لتراً في الساعة. بالإضافة إلى مشكلة انخفاض الجهد والرفات المتعددة الأمر الذي أدى إلى زيادة استهلاك حوامل الطاقة (فيول، مازوت، غاز،…) وتؤثر على جسم الفرن وتقلل من العمر الزمني للأحجار النارية وزيادة نسبة الكسر. بالإضافة لتدني نسبة التنفيذ وارتفاع التكاليف بشكل كبير. فمثلاً تم استهلاك 200 ألف لتر مازوت لزوم مجموعات التوليد فقط خلال عام 2014 ناهيك عن ضعف التسويق على الرغم من كافة الإجراءات السابقة إضافة إلى ذلك امتلاء مستودعات الشركة والتخزين في العراء والساحات بكميات تزيد عن الكميات المخزنة في المستودع، وتعرض بعض الإنتاج المخزن في العراء للتكسر نتيجة العوامل الجوية، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة الكسر. والأهم من ذلك ضعف سيولة الشركة بسبب قلة المبيعات وصعوبة استمرارية تأمين مستلزمات الإنتاج الضرورية من مازوت، غاز، رمل، دولوميت، سلفات… وغيرها. إضافة إن هذا النوع من الزجاج المحجر كان يستخدم في أرياف المحافظات وخاصة المناطق الشمالية والشرقية وصعوبة وصوله إلى هذه المناطق وتسويقه وقلة الطلب عليه وبالتالي عدم وجود مساحات متوفرة في المعمل تكفي إلى تخزين المنتج لأكثر من شهر.
وتم عقد المجلس الإنتاجي للشركة ومناقشة كافة المواضيع السابقة وبعد المناقشة اقترح المجتمعون تفريغ فرن المحجر من المصهور الزجاجي وتبريده بشكل فني للمحافظة عليه وإجراء الصيانات الضرورية كونه عمل لمدة عام.
وبالفعل وافقت اللجنة الإدارية على مقترح المجلس الإنتاجي وتجهيز الفرن لحين الطلب ورفع الموضوع على مجلس إدارة المؤسسة والتي اقترح بدوره توقيف فرن المحجر وتفريغه من المصهور الزجاجي وتبريده بشكل فني للمحافظة عليه وإجراء بعض الصيانات الضرورية.
ومن الناحية المالية نجد أن استمرار تشغيل الفرن يتطلب ضرورة تأمين مادة المازوت بمعدل لا يقل عن 60 ألف لتر شهرياً نظراً لانقطاعات الكهرباء المتكررة إضافة إلى ضرورة تأمين مادة الغاز بمعدل لا يقل عن 25 طن شهرياً وبقيمة 5 ملايين ليرة إضافة إلى تأمين مادة الرمل السيليسي بمعدل 100 طن شهرياً وبقيمة 6 ملايين ليرة مع تأمين سلفات وبقيمة 15 مليون ليرة لمدة عام وتأمين مادة الدولوميت بمعدل 200 طن شهرياً أي بقيمة مليون ليرة وتأمين الفيول بمعدل 300 طن شهرياً أي بقيمة 25 مليون ليرة إضافة إلى غيرها من مستلزمات الصيانة واستبدال القواطع الكهربائية وتأمين الزيوت نظراً للتشغيل وكثرة انقطاعات الكهرباء وتشغيل مجموعات التوليد مع العلم بانعدام السيولة في الشركة لتأمين المستلزمات السابقة بسبب عدم تسويق المنتج.

في ذمة الحكومة
السؤال الذي نضعه برسم المعنيين في الحكومة لمصلحة من جرى ما جرى؟ ومن الجهة المسؤولة عن الهدر الذي تجاوز ملايين الليرات؟ وماذا حصل للآلات بعد أن أقلع الفرن ومن ثم توقف المعمل؟… وغير ذلك من الأسئلة الهامة التي تصب في سوء استعمال الوظيفة العامة، وتسخيرها لقاء مصالح ومنافع تتعلق بفرد أو بجماعة معينة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن