ثقافة وفن

للأعمال الدرامية دور في تنمية الخيال وتقديم مضمون هادف ومفيد … الدراما منتج قادر على إحداث تغيير في المجتمع والارتقاء به ثقافياً ومعرفياً وتربوياً وفنياً

| وائل العدس

بمرور الوقت وإلى جانب التطورات التكنولوجية الهائلة ما زال التلفزيون يحتفظ بمكانة كبيرة في كثير من البيوت لما يرتبط به من مشاعر كالألفة والراحة والتخلص من التوتر وأعباء اليوم واجتماع أفراد الأسرة.
وتكتسب الدراما أهمية كبيرة في مجتمعاتنا على اعتبار أنها المرآة التي نرى من خلالها تفاصيل حياتنا وحياة الآخرين، إضافة إلى دورها في الترفيه، أما الهدف الأكبر فيكمن في عكس الواقع الذي نعيشه.
فالدراما هي الفن الذي يعتمد على تجسيد ومحاكاة الواقع ضمن مساحات فنية، وكلمة دراما هي بالأصل إغريقية وتعني التناقض أو العمل، لأن الدراما تجسد الحزن والفرح والمأساة والكوميديا والسخرية والحب وغير ذلك في عمل واحد.

ولا تنعزل الدراما التلفزيونية كفن عن بقية الفنون من حيث الدور الذي تلعبه في التوعية ولفت أنظار الجمهور إلى التفاصيل المهمة في الحياة ومحاولة محاكاة الواقع بأقرب الصور ورفد المشاهد بكل ما هو جديد على الصعيد الاجتماعي والفكري، لذا فهي كفن تقف إلى جانب موارد الثقافة المتعددة مثل الكتاب والسينما والمسرح وغيرها كجزء لا يتجزأ من الرسالة الإعلامية اليومية التي تسعى إلى تثقيف المواطن إضافة إلى ترفيهه.
وتكمن وظيفة الدراما في تسليط الضوء على واقع المجتمع بإيجابياته وسلبياته على أن تكون معالجة بطريقة صحيحة لكي تدخل إلى قلوب الناس ويكون تأثيرها إيجابياً، لكن بالنهاية لا تستطيع الدراما أن تغير المجتمع، وإنما الواقعان الاقتصادي والاجتماعي هما اللذان يقومان بإحداث تغييرات جذرية فيه.
إلا أن الإنتاج التلفزيوني في كثير من الأحيان بل في أغلبه يسعى إلى تحقيق الربح، وتحقيق الأرباح يتخذ مساراً مختلفاً ربما عن تحقيق القيمة، وهذا ما أكدته الدراسات التي قامت على تحليل الصور الذهنية المقدمة من خلال الدراما العربية على وجه التحديد، فتحقيق الربح والمنافسة قد يجعل البعض يؤمن بفكرة تقديم ما يحقق رواجاً بين الجمهور بغض النظر عن أي اعتبارات أخلاقية أخرى.

الدراما السورية
الدراما السورية منتج وطني قادر على إحداث تغيير في المجتمع والارتقاء به ثقافياً ومعرفياً وتربوياً وفنياً.
لذلك على الإنتاجات الدرامية السورية أن تخص العائلة بكاملها من الطفل إلى الكبير، حيث إن المسلسلات تلعب دوراً في لم شمل العائلة في أوقات واحدة أمام التلفاز لتلقي هذه الوجبة الفنية فيقضي الجميع وقتاً سعيداً للتسلية والترفيه والاستفادة مما تقدمه من عِبر وقيم، حيث تسهم في توعية أفراد الأسرة ككل وخاصة الناشئين لكونها تتطرق إلى قضاياهم المتشعبة فضلاً عن جوانب أخرى كثيرة من صلب الواقع.
ومن الواجب استغلال الشعبية الكبيرة التي تنالها الدراما السورية في سبيل توجيه رسائل مفيدة للجمهور تسهم في ملء وقته بما هو إيجابي وممتع.

قضايا المجتمع
يميل كثيرون إلى الأعمال الاجتماعية لأنها تبدو قريبة جداً من الحياة اليومية وتحاكي نماذج إنسانية موجودة في المجتمع وأحداثاً تتعلق بالتفاصيل اليومية المعاشة، ما يقدم ذلك دوراً توعوياً للدراما ويصوغ من الواقع القصص التي لها وظيفة تفيد المشاهد وتملأ وقته بما هو جيد.
وللدراما دور في تسليط الضوء على قضايا المجتمع واقتراح الحلول المناسبة للمشكلات القائمة، مع التأكيد على أهمية الحالة التثقيفية التي تطرحها الدراما في ظل هيمنة وسائل الإعلام على الحياة.
كما أن الدراما تطلع الإنسان على أشياء لا يعرفها إذ إنها تسلط الضوء على ما هو مجهول لدى الكثيرين ما يسهم في التعليم والتثقيف، كما أن ما تقدمه المسلسلات السورية من قصص اجتماعية تحتوي على الحب والكره والجريمة والإحسان تسهم في توعية الناس ونشر القيم الأخلاقية والتحذير مما هو سلبي على مستوى الحياة بصورة عامة.

بهدف التسلية
في الوقت نفسه ليست كل الأعمال الدرامية متشابهة من حيث الهدف الذي تسعى إليه، حيث إن بعض الأعمال تقدم لأجل التسلية لا أكثر ولا ضير من متابعتها ولكن يجب أن تكون معظم الأعمال مستمدة من صلب حياتنا وواقعنا وتاريخنا وهي تؤثر فينا جميعاً.
وفي كثير من الأحيان ينظر الناس إلى الفن بشكل عام وإلى الدراما بشكل خاص، على اعتباره وسيلة للترفيه لا أكثر، علماً أن الدراسات النفسية تؤكد تخطي الدور الذي تقوم به الدراما إلى أبعد من ذلك بكثير؛ فهي في مجملها تقوم بإشباع حاجات مهمة للفرد.
وربما يفوق دور التسلية دور التوعية في الدراما فالإنسان الذي يقضي يومه في العمل لا بد له من مادة تلفزيونية تخفف عنه في آخر النهار وخاصة عندما يجتمع مع عائلته، كما أنه يفضل الأعمال التي تتناول موضوعات اجتماعية لكونها قريبة جداً من الحياة اليومية وتحاكي نماذج إنسانية موجودة في المجتمع وأحداثاً تتعلق بالتفاصيل اليومية المعيشة.
لكن الهدف من الدراما ليس الترفيه فقط، ويجب أن يكون للعمل الدرامي رسالة اجتماعية واضحة، حتى الكوميديا يجب أن تكون هادفة، فما قيمة أي عمل درامي أو كوميدي من دون هدف أو رسالة اجتماعية؟
فالدراما يجب أن تقوم بدور فعال في تصحيح المفاهيم والمساهمة في عرض القضايا الراهنة وتوضيح سبل العلاج من خلال مواقف حياتية اجتماعية، تخرج بالدراما من قوقعة التسلية والترفيه إلى رحاب التنمية والتطوير.
المادة مهمة جداً من أجل الاستمرار، ولكن الهدف الأول من تقديم أي عمل هو الإضاءة على بعض مشكلات وآفات المجتمع ونقل رسالة مباشرة أو غير مباشرة للمشاهدين ليأخذوا العبرة منها وينقلوها إلى الأجيال القادمة.

رغبات إنسانية
الشعور بالحب، بالانتقام، بالبطولة، بالانتصار.. كلها رغبات إنسانية يبحث الإنسان عنها خلال يومه، وتقوم الأعمال الدرامية بالتركيز على مثل هذه الرغبات فتقدمها للمتلقي من خلال المعايشة فيتلقاها المشاهد ويتفاعل معها ويشبع جزءاً من رغباته، كتلك البطلة التي تبحث عن حب حقيقي رغم أنها قبيحة ولا تجد من يعجب بها، ثم تدور أحداث المسلسل لتجد حبها الحقيقي الذي يبحث عن جوهرها النقي.

خطورة الدراما
لا ننكر ما يمكن أن تسهم به الأعمال الدرامية من تأثيرات إيجابية، وأهمها الجانب الثقافي والمعرفي ودورها في تنمية الخيال وتقديم مضمون إعلامي هادف ومفيد، لكن الخطورة أننا نجد أغلبية الدراما تقدم نماذج يعتبرها الصغار قدوة ومثلاً أعلى، وهي نماذج تجري وراء التقليد الغربي، والموضة والقيم السطحية أو الانحلالية، ولا يمكن إنكار أو حجب تأثيرها السلبي في الأطفال وتفادي ذلك بالجلوس معهم وإقناعهم بأنها مجرد تمثيل.
فالدراما نوع خطير من الغزو الفكري للشباب وللمجتمع بشكل عام، وتستطيع أن تؤثر في التفكير والسلوك والتعامل مع الآخرين، وعادة ما نرى أنها تنمي لدى الصغار والمراهقين غير الناضجين الرغبة الدائمة في الاستقلال والذاتية، بل تنشر مفاهيم مغلوطة عن الحرية والنجاح وكيفية مواجهة الضغوط والتعامل معها بما لا يتناسب وثقافة وقيم المجتمع.
وتعتمد بعض الأعمال التلفزيونية على لغة عامية، أو يشيع فيها ألفاظ سيئة وقبيحة وسطحية وهشة، والكتاب والمخرجون يقتبسون أحياناً بعض الأفكار الغربية ونجدها تنتشر بسرعة بين المراهقين والصبية ويستخدمونها في تعاملاتهم اليومية، ويتداولونها، وهي بلا شك نوع من الدعاية لنشر قيم معينة، فبالإضافة إلى سلبياتها نجد أنهم يتعلقون بالقشور والمظاهر في طريقة الملبس والمظهر وتقليد الأشياء البعيدة تماماً عن ديننا وقيمنا الأصيلة، كما يحاكون طريقة العنف التي تمتلئ بها هذه الأعمال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن