قضايا وآراء

أين إسرائيل في لوحة المشهد الإقليمي المستجد؟!

 مأمون الحسيني :

لم يجد الكيان الإسرائيلي الذي وجد نفسه عارياً أمام لوحة دولية وإقليمية ومحلية جديدة ترتسم ملامحها بسرعة قياسية، بعد أن تلاشت أوهامه وأحلامه بإمكانية استغلال الهجوم الغربي الإقليمي الإرهابي ضد سورية والعراق، لتكثيف الاستيطان والتوسع، وتصفية القضية الفلسطينية، وتسيد منطقة المشرق العربي، سوى الهروب إلى الأمام، وإعلان ما يشبه الحرب الشاملة في مواجهة الخطرين اللذين فاجأاه على حين غرة: الأول، انطلاق صفارة نفاد وقت الإرهاب والإرهابيين في بلاد الشام بعد الحضور الروسي المباشر والفاعل في سورية، والذي لا يشكل قيداً على حرية الحركة التي كانت تتمتع بها إسرائيل فقط، وإنما أيضاً يبدد حلم المنطقة العازلة في المنطقة المحاذية للجولان المحتل، رغم كل المحاولات اليائسة في هذا الاتجاه، ويؤسس لتبلور محور جديد في المنطقة، بمشاركة روسية، من شأنه المساهمة في هندسة نظام إقليمي جديد سيئ لإسرائيل؛ والثاني، انطلاق ما سمته صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية «انتفاضة فلسطينية ثالثة» تنذر بوضع كيان العدو أمام منعطف سياسي وإستراتيجي له علاقة بحركة الصراع الدائر فوق أرض فلسطين.
في العنوان الأول، يدرك القادة الإسرائيليون أن ما يدب على الأرض السورية راهنا، وخلافا لكل مقولات ومطولات الكذب والتشكيك والتضليل والتهويل التي تحفل بها أدوات ووسائل الحرب الإعلامية التي تشنها الولايات المتحدة وحلفاؤها، كانت نتائجه كارثية على الإرهابيين الذين بدؤوا بالفرار إلى العراق وتركيا، وكذلك على موقف حلفائهم الدوليين والإقليميين، وبالأخص إسرائيل، فضلاً عن تمهيده الأرضية أمام انتقال الجيش السوري إلى وضعية الهجوم، وفتح أبواب انطلاق عمليات عسكرية برية واسعة. أما بخصوص أكذوبة «بقعة الضوء» في الأفق الأسود المرتسم أمام جبهة أعداء سورية التي حاولت إسرائيل تسويقها، والمقصود هنا الحديث المضلل عن وجود تباين وتضارب مصالح بين إيران وروسيا في سورية، فسرعان ما لفها السواد بعد تيقن تل أبيب من حقيقة أن «عدوها الإيراني» لعب الدور الأساسي في إقناع الروس بالمساهمة المباشرة في العمليات الجوية ضد الإرهابيين في سورية، وأن ثمة تنسيقا معلوماتياً واستخبارياً وميدانيا ودعماً لمنظومة الاستطلاع الجوي بين الضباط والخبراء الروس والسوريين والإيرانيين وكوادر «حزب اللـه»، وأن هؤلاء جميعاً في مركب ومحور واحد حتى تحقيق النصر.
أما في العنوان الثاني المتعلق بالانتفاضة الثالثة، فيبدو أن الحكومة الإسرائيلية التي قتلت كل أمل في التحرر والاستقلال (والحياة) لدى الفلسطينيين الذين مورست ضدهم مختلف أنواع وإجراءات القمع والتنكيل، وصولا إلى القتل والحرق على يد قطعان المستوطنين، لا تستطيع الإقرار بحقيقة أن مواجهة أبناء الشعب الفلسطيني العارمة في مختلف أنحاء القدس والضفة المحتلة، هي نتيجة حتمية لإخفاق ما يسمى «قوة الردع الإسرائيلية»، وأن وصفة زيادة جرعات القمع بمختلف أشكاله، والتهديد بـ«السور الواقي»، أي العودة إلى احتلال مدن الضفة الغربية بشكل مباشر، سيعبد الطريق أمام مرحلة واعدة جديدة من الكفاح الفلسطيني المتعدد الأشكال، ولاسيما يعد وصول التغول الإسرائيلي إلى الحد الأقصى، وعجز القيادة الفلسطينية عن توفير أدنى متطلبات المواجهة، وتراكم المؤشرات على أنه لن يكون في مقدور الكيان العبري الهجين، في المستقبل المنظور، مواصلة ذات السياسة العدوانية المتغطرسة المتلفعة بالدعم الأميركي اللامحدود بعد تراجع دور واشنطن، وعدم قدرتها، ليس فقط على منع روسيا وإيران من ملء الفراغ الذي تركته في المشرق العربي وأماكن أخرى في العالم، بل على الضغط بذات الوتيرة السابقة على الأوروبيين الذين لا يصعدون فقط لهجتهم ضد الاستيطان الصهيوني، وإنما يقدمون على خطوات ملموسة ضده.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن