قضايا وآراء

بين روسيا فلاديمير بوتين .. وسوريا بشار الأسد… فقط

رفعت بدوي :

اجتماع القمة الذي جمع كلاً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري بشار الأسد يصفه المراقبون بأنه زلزال سياسي أدى إلى تحطيم الآلية التي اتبعت منذ بداية الأزمة السورية الهادفة إلى تفتيت الدولة السورية من خلال وضع العراقيل أمام أي حل سياسي كان ممكناً أن يكون ناجعاً لإنقاذ سورية من المؤامرات والخطط العسكرية التي حيكت واستعملت لتقسيم سورية وإسقاط نظام ودستور الدولة السورية.
إن أي زلزال بالمعنى السياسي لا بد من أن يؤدي إلى تغيير جذري بمجرى الأحداث يتبعه ارتدادات متوالية غالباً ما تكون نتائجها أكثر ضراوة وأشد وطأة من الزلزال نفسه.
الاستقبال الحافل للرئيس السوري في موسكو من الروسي وبحضور كبار القادة الروس دليل واضح على متانة العلاقة بين الرجلين والبلدين.
وهذا الأمر يدحض كل الأقاويل والتصريحات التي أطلقت عبر بعض وسائل الإعلام ذات التوجه المعادي لسورية أو بواسطة الأقلام الملأى بالحبر المسموم من أجل بثه على صفحات الصحافة الصفراء.
توقيت زيارة الرئيس السوري للرئيس بوتين توقيت مدروس وبدقة متناهية إذ جاء بعد مرور أسابيع ثلاثة على بدء الضربات الجوية الروسية لتجمعات وأوكار التنظيمات الإرهابية في سورية ما أدى إلى تحقيق النتائج الفعالة والمطلوبة في زمن قصير ما كشف زيف أفعال ونيات التحالف الأميركي التركي السعودي القطري المزعوم لمحاربة الإرهاب.
دلائل مضمون ونتائج اجتماع القمة بين الرجلين، فالإعلان المشترك عن الزيارة من الناطق باسم الكرملين والمتحدث باسم الرئاسة السورية وبنفس التوقيت هو أمر يدل على مدى التطابق بوجهات النظر والتوافق التام الاستراتيجي بين الرجلين والبلدين.
من شكك بنتائج الزيارة التاريخية وتحدث عن صفقات سوداء على حساب سورية ورئيسها فإن النظر جيداً وملياً بملامح الرجلين والارتياح الذي كان بادياً على محيا كل منهما يعطي الجواب الشافي والكافي ويقطع الشك باليقين بنجاح القمة.
أما العلامة الفارقة واللافتة فهي أن الرئيس السوري لم يصطحب معه أياً من المسؤولين السوريين الأمنيين أو الدبلوماسيين في حين كل القادة الروس كانوا باستقبال الرئيس السوري وشاركوا جميعاً باجتماعين مع الرئيس السوري بشار الأسد الاجتماع الأول مع الأمن القومي الروسي والاجتماع الثاني على مأدبة العشاء التي أقامها الرئيس الروسي على شرف الرئيس السوري لاستكمال المحادثات بين الرجلين وبحضور المسؤولين الروس السياسيين والعسكريين على حد سواء.
إن الرسالة التي أراد الرئيس الروسي أن يظهرها للعالم كان لها وقع الصاعقة لتنفجر كالبركان الهادر بوجه من يعنيهم الأمر وخصوصاً الذين يطالبون برحيل الرئيس بشار الأسد والرسالة تقول: إن القيصر يجتمع بالقيصر فقط وإن الرئيس بشار الأسد هو الشريك الإستراتيجي والفعلي والشرعي الوحيد الذي تعترف موسكو به تتعاون معه لأن الشعب السوري هو الذي اختاره ليكون رئيساً له وبشار الأسد هو الرئيس الذي اعترف به وأنا فلاديمير بوتين رئيس روسيا مستعد لأمد له يد العون من الدعم العسكري والسياسي مهما كانت الإغراءات أو التحديات والتضحيات حتى بلوغ الهدف المشترك وهو وحدة سورية أرضاً وجيشاً ومؤسسات والوقوف ضد هذا الإرهاب المتمادي والمتنامي على أرض سورية.
عقب انتهاء اجتماع القمة كان الزلزال الحقيقي حيث بادر الرئيس الروسي للاتصال بكل من الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله بن الحسين كما فعل مع الإدارة الأميركية وذلك بهدف إبلاغهم بنتائج القمة وبان القرارات الإستراتيجية قد تم التفاهم عليها وأن هناك تطابقاً في الرؤى بين سورية وموسكو وأن أوراق اللعبة صارت علنية وعالمكشوف ومن يرد منكم استكمال اللعبة القذرة ضد سورية فسيلقى منا عقاباً أليماً هذا الأمر أغضب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما دفعه للاتصال بالرئيس الروسي مستفسراً.
عقب الاتصال التركي بالرئيس الروسي أعلنت تركيا بأنها توافق على مرحلة انتقالية لمدة ستة أشهر يكون للرئيس الأسد الدور البارز ضمن هذه المهلة.
الرد الروسي كان سريعاً على لسان الرئيس الروسي بوتين أن دعم الرئيس الأسد في محاربة الإرهاب يعتبر الخطوة الأسلم والأصح..

سلم النجاة الروسي
في عام 2013 قررت الولايات المتحدة الأميركية توجيه ضربة عسكرية إلى دمشق بحجة امتلاك سورية أسلحة بيولوجية وكيميائية.
روسيا تقدمت بمبادرة واضعة السلم الروسي لمساعدة أميركا بالنزول من أعلى الشجرة فكان لروسيا ما أرادت وتم تسليم الأسلحة الكيميائية السورية وتراجعت أميركا عن نيتها توجيه ضربة عسكرية إلى دمشق ونزلت أميركا من أعلى الشجرة بواسطة سلم النجاة الروسي ما أغضب حلفاء أميركا في المنطقة وأصيبوا بخيبة كبيرة وخصوصاً إسرائيل والسعودية وتركيا وقطر.
اليوم روسيا أيضاً وضعت السلم الروسي عارضة على الدول التي ما زالت تغذي الإرهاب في سورية البدء بالنزول من أعلى الشجرة والقبول بالحل السياسي الذي يرتئيه كل من بوتين والأسد وإلا فإن العملية العسكرية لمحاربة هذا الإرهاب ستبلغ مرحلة كسر العظم وإن موازين القوى على الأرض ستتغير والمعادلة التي كان معمولاً بها قد انتهت إلى غير رجعة.
الكلام الذي صدر عن وزير خارجية قطر خالد بن محمد العطية وما تضمنه من تهديد بالتدخل المباشر بالاشتراك مع السعودية وتركيا جاء متزامناً ومتناغماً مع تصريح لوزير الخارجية الأميركي جون كيري والسعودي عادل الجبير الذي جاء فيه: إذا كنا نريد التخلص من الإرهاب فيجب علينا إزاحة بشار الأسد، ما يوحي بأن أميركا وحلفاءها لم يهتدوا إلى العتبات التي وضعتها روسيا للبدء بالنزول من أعلى الشجرة بواسطة سلم النجاة الروسي كما فعلوا أثناء أزمة الكيميائي عام 2013.
أيضاً وأيضاً الرد الروسي أتى أسرع مما توقعه البعض حيث قال الرئيس الروسي في مؤتمر (فالداي) سوتشي: إن هدف واشنطن وحلفائها في المنطقة هو إزاحة الأسد أما هدفنا فهو مساعدة الأسد في دحر الإرهاب وهذا هو المخرج السليم للأزمة السورية.
أضاف بوتين إن الدعم العسكري الروسي لسورية في محاربة الإرهاب سينتج حلاً سياسياً في سورية. يضيف بوتين إن الرئيس الأسد قال لي إنه يشجع الحوار مع المعارضة والرئيس الأسد مقتنع أن أي حل سياسي في سورية يجب أن يشارك فيه كل مكونات الشعب السوري حتى المعارضة.
لقد استوقف هذا الأمر الكثير من المراقبين والمحللين والباحثين ليستنتجوا بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نجح بإيصال رسالته المشتركة مع الرئيس السوري بشار الأسد ومفاد الرسالة: إن مضمون مؤتمر جنيف واحد انتهى إلى غير رجعة وإن أي حل سياسي يجب أن يستند إلى رؤيتنا نحن روسيا فلاديمير بوتين وسورية بشار الأسد فقط ارتدادات الزلزال السياسي والعسكري في منطقتنا والعالم ستكون نتائجها أشد وقعاً من الزلزال نفسه والأيام القادمة ستثبت ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن