قضايا وآراء

نحو فيينا.. التردد الدولي

مازن بلال :

بعد لقاء فيينا الأول بدا المشهد السياسي متجها نحو صياغة «حزمة» حلول داخل الأزمة السورية، فالنشاط الدبلوماسي أوضح أن اللقاءات أوجدت نقاط توافق تجاوزت «حائط» جنيف؛ لكن المسألة على ما يبدو لم تستطع تبريد الجبهات المشتعلة أو تجاوز الأدوار الإقليمية المعنية بالأزمة السورية، فالحراك الدولي يسعى لتطويق الإرهاب من خلال التفاوض في سورية، في وقت يبدو أن الإرهاب يلخص الإخفاق السياسي في إيجاد علاقات توازن عميقة داخل الشرق الأوسط كله وليس فقط في سورية.
عملياً كل التصورات الحالية تتجه نحو بلورة عملية التفاوض، وإيجاد صيغة سياسية سورية يمكن من خلالها التحكم بعملية محاربة الإرهاب، وهذا الاتجاه ينقل نقطتين أساسيتين في التوجه الدولي:
– الأول هو أن التفاوض سيقود إلى توافقات دولية توحد الجهود لمحاربة الإرهاب، فالخلافات بين موسكو وواشنطن بشأن العمليات في سورية تتمحور حول النتيجة السياسية لمحاربة الإرهاب على النظام السوري، وعندما تنطلق العملية السياسية فهذا يعني «التوافق» على الصورة القادمة للمنطقة عموما، وتجاوز أي تعارض ما يتيح فاعلية للعمليات العسكرية.
في المقابل فإن التوافق ليس محصورا بموسكو وواشنطن، فالعقدة السورية مرتبطة بقوى إقليمية ستتأثر بنهاية الصراع وبطبيعة الترتيبات السياسية، وما يجري في فيينا سواء من حيث المشاركة الدولية أو الأهمية يقارب مؤتمر الصلح في باريس بعد الحرب العالمية الأولى الذي انعقد طوال عام كامل، فالتوافق يجب رسمه على خريطة واسعة في شرقي المتوسط وهو خاضع أيضاً لتبدل متواصل نتيجة الحرب على الإرهاب، ففي فيينا لن يتم اقتسام المنطقة أو تقسيمها على شاكلة ما حدث في «سان ريمون 1920»، بل تغيير النظام «الجيوبولتيكي» عبر إعادة توزيع القوة للدول الموجودة حاليا، فمسار فيينا يبدو بالمؤشرات أطول مما توحي به التصريحات السياسية.
– الثاني هو تفكيك المحاور القديمة التي أدت عملياً إلى تحول الأزمة السورية إلى صراع إقليمي، والمشكلة هنا في توزيع الأدوار الإقليمية التي أصبحت جزءا من الأزمة السورية ومن بنية الإرهاب أيضاً.
إن المسألة الأهم عند أي تفكيك للمحاور السابقة (الممانعة والاعتدال) سيطرح بالضرورة مسألة «إسرائيل»، فهي جوهر تلك المحاور والحفاظ على تفوقها يشكل محور «المنظومة» الخاصة بالشرق الأوسط، فلقاءات فيينا التي لم تتطرق لمثل هذا الموضوع تجد نفسها بشكل دائم أمام هذه المعضلة، فالحلول السياسية التي تحافظ على الموقع الجيوبولتيكي لسورية لن تؤدي لتفكيك المحاور في المنطقة، والخيار الثاني هو إعادة رسم الأدوار خارج «الدائرة الإسرائيلية» جغرافيا على الأقل، وهذا الأمر لا يبدو قابلا للتحقق في ظل تشابك «بنية المقاومة» مع الصراع ضد الإرهاب.
مسار فيينا، وعلى عكس ما هو متوقع، غير معني بتليين المواقف الإقليمية، فهو يحاول تكسير «حواجز القوة» داخل المحاور القديمة في المنطقة، وهو في الوقت نفسه يسعى عبر الأزمة السورية لرسم خطوط تماس جديدة بين القوى التي دخلت الصراع بشكل مباشر أو عبر دعم الإرهاب، ومن الصعب التنبؤ بنتائج فيينا لأنها «عملية» تحولات متتالية لخلق مناخ مختلف لـ«الأزمة السورية» ولمحاربة الإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن