قضايا وآراء

لا تجبروا إيران على الضرب «تحت الحزام»

| منذر عيد

أكدت مفرزات عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول الماضي، وعلى مدى ستة أشهر من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أن ساحة الاشتباك أبعد وأوسع من الجغرافيا الفلسطينية المحتلة، وأن تهور وحماقة قادة الكيان الصهيوني، ومحاولتهم إطفاء بؤرة النيران التي حرقت أصابعهم بها في غزة، عبر إشعال بؤر جديدة خارجية، عبر محاولتهم توسيع الاشتباك مع حزب الله، وشن العدوان الإرهابي على القنصلية الإيرانية في دمشق بداية الشهر الحالي، كل ذلك ألحق بهم جملة من الخسائر بـ«النقاط» في نزالهم مع أطراف محور المقاومة، الأمر الذي سيؤدي في النهاية لوصول المحور إلى تحقيق نصر كامل نتيجة تراكم فوزه بالنقاط.

حماقة الكيان الإسرائيلي في ارتكابه «جريمة القنصلية» استوجبت رداً إيرانياً يوازي حجم الفعل الجريمة، وحرصت إيران على ألا تكون الضربة «تحت الحزام»، إلا أنه في المجمل، وبعيداً عن حجم الوجع الذي ألحقه بالجسم العسكري للكيان الإسرائيلي، أسسّ لتاريخ جديد في طبيعة الصراع بين الجمهورية الإسلامية ومحور المقاومة من جهة، والكيان الإسرائيلي من جهة ثانية، حيث أكدت عملية «الوعد الصادق» جملة من الحقائق حاول قادة الكيان العسكريون والسياسيون على إبقائها في الظلام بعيداً عن شمس الحقيقة، وهي أن ذاك الكيان أوهن من بيت العنكبوت، وأن عمره الافتراضي لا يتجاوز الساعات إذا ما خرج من تحت المظلة الأميركية والأوروبية الأطلسية، وبعثت بجملة من الرسائل، أقلها أن «صبر إيران الإستراتيجي» نابع من مبدأ الحكمة والقوة، لا من خلفية الخوف والضعف، وأن أمن إيران القومي خط أحمر ممنوع على الكيان وداعميه من الاقتراب منه أو تجاوزه.

أول المتغيرات التي شكلها الرد الإيراني، أنه حوّل الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى ساحة اشتباك، بعد أن كان جيش الاحتلال الإسرائيلي ينفذ جميع اعتداءاته على أراضي الغير سواء في لبنان أم سورية أو العراق، وكان يتغنى بالأمن والأمان اللذين يوفرهما لمجتمعه الداخلي، وهو ما يبدو جلياً في «الوعد الصادق» حيث أجبر جميع المستوطنين الإسرائيليين إلى النزول إلى الملاجئ طوال خمس ساعات، بعد أن دوت صفارات الإنذار 700 مرة.

رغم تشكيك الرافضين لرؤية الكيان مهزوماً، فإنه من نافلة القول إن الرد الإيراني على جرائم الاحتلال عبر «الوعد الصادق» شكل حالة من المفاجأة والذعر في الكيان الصهيوني لجهة الشكل، عبر أسراب المسيّرات والصواريخ البالستية والمجنحة التي غطت سماء فلسطين المحتلة، أو لجهة المضمون، حيث كان من المستبعد عن ذهن الصهيوني إمكانية تجرؤ أي دولة على مهاجمة الكيان بهذا الشكل المباشر والعلني، لتنهي «الوعد الصادق» ما تبقى من وهم الردع الصهيوني، بعد أن تآكلت بشكل جزئي على يد عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول الماضي.

لقد أسست عملية «الوعد الصادق» لمعادلة جديدة في الصراع بين الجمهورية الإسلامية والكيان الصهيوني تقوم على أن الرد على أي اعتداء إسرائيلي على إيران سيأتي من داخل الجمهورية الإسلامية وليس عبر الحلفاء في محور المقاومة، وأن الرد يكون في المكان والزمان اللذين تختارهما لمعاقبة الكيان الصهيوني على اعتداءاته وبالكيفية التي تراها مناسبة، لتؤكد طهران في رسالة واضحة أن 45 عاماً من الحصار، ومحاولة الأعداء بث الفتن في الداخل، لم تمنعها من تطوير قدراتها العسكرية ذاتياً، وبلوغ مرحلة تمكنها من مواجهة الكيان عبر ترسانة من الأسلحة محلية الصنع، بصناعة فائقة الدقة والفاعلية والتطور، فكانت المسيّرة الانتحارية «شاهد 136»، وصواريخ «عماد» الباليستية، حيث يصل مداها إلى 1700 كيلومتر، وصاروخ كروز من طراز «بعافيه» مدى 1650 كم.

كثيرة هي الرسائل التي يجب على الكيان الصهيوني قراءتها بين سطور «الوعد الصادق»، بأن إيران ليست مجرد قوة إقليمية، بل صاحبة قرار دولي مستقل، وأنه ليس بمقدور أي دولة مهما كانت حماية الكيان، إذا ما قررت طهران معاقبتها على ارتكابها جرائم إرهابية ضد مصالحها سواء في الداخل أم في المنطقة، لتؤكد صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أن الكيان تعرّض لإهانة ثقيلة وغير مسبوقة، إذ إن الردع الإسرائيلي الذي تحطّم في غزة ولبنان، تحطّم في طهران أيضاً.

لم تقتصر مفاعيل «الوعد الصادق» على ما تم ذكره سابقاً، بل أدخل قادة الكيان الإسرائيلي في حالة من «العقلانية الإجبارية»، وهو ما ظهر في تناقض أراء الوسط السياسي والعسكري حول ضرورة الرد على الرد من عدمه، وحول طبيعته ونطاقه، وهذا من دون شك نتاج تخوف قادة الكيان من عواقب أي فعل أحمق قد يقدمون عليه بشن عدوان على الأراضي الإيرانية ومصالحها، ليؤكد نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية علي باقري كني أن «بلاده سترد في ثوان معدودة على أي هجوم إسرائيلي جديد»، قائلاً: «إذا ارتكبت إسرائيل خطأ آخر، فسيكون الرد قوياً وفورياً ولن يُقاس وقت تنفيذه بالأيام أو الساعات، بل بالثواني»، وهنا لا أحد يمكن له أن يضمن ألا تكون الضربة الإيرانية «تحت الحزام».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن