قضايا وآراء

عن دعوة سويسرا لمؤتمر «سلام» في أوكرانيا

| عبد المنعم علي عيسى

أعلنت سويسرا، منتصف شهر كانون الثاني المنصرم، عن موافقتها على طلب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلنسكي الذي تقدم به إلى رئيسة الاتحاد السويسري فيولا أمهيرد عندما التقاها في برن بسويسرا يوم الخامس عشر من هذا الشهر الأخير، وطلبه كان يتمحور حول أن تعمد سويسرا للدعوة إلى عقد مؤتمر لـ«السلام في أوكرانيا»، والراجح هو أن الفكرة هي أقرب للتأسيس لمجموعة ضغط جديدة منها إلى الدعوة لـ«السلام» الأمر الذي يمكن استشرافه من قول زيلنسنكي: «أدعو سويسرا للعمل بأكبر قدر ممكن من النشاط مع جميع الشركاء، ومع مجموعة العقوبات الدولية للضغط على روسيا من أجل وقف إمكاناتها الإرهابية»، وفقا لما ذكره البيان الصادر عن الاتحاد السويسري في أعقاب ذلك اللقاء.

وفي 10 نيسان الجاري أعلن وزير الخارجية السويسري أغناسيو كاسيس خلال مؤتمر صحفي أن «المؤتمر الذي تنظمه بلاده حول السلام في أوكرانيا سيعقد يومي 15 و16 حزيران المقبل»، لتتولى وكالة «بلومبيرغ» مهمة تحديد المكان الذي قالت إنه سيكون «بالقرب من لوسيرن بجانب جبال الألب في فندق بوغنستوك الفاخر»، ومن المؤكد هو أن «التولي» آنف الذكر لم يكن بريئا، وهو هدف للقول إن كل كلمة جاءت على لسان أوغناسيو كاسيس كانت تحظى بضوء أميركي أخضر للعبور، خصوصاً أن وسائل إعلام أميركية كانت قد ذكرت أن الرئيس الأميركي جو بايدن سيحضر ذلك المؤتمر شخصياً.

في الملامح التي رسمها وزير الخارجية السويسري للمؤتمر يمكن الوقوف عند قوله إن المؤتمر سيكون «خطوة أولى لتطوير تفاهم مشترك بين الدول المشاركة فيما يتعلق بسبيل المضي قدما نحو سلام شامل وعادل ومستدام في أوكرانيا»، ثم أضاف إن: «روسيا لن تحضر المؤتمر» قبيل أن يستدرك بالقول إن «عملية السلام لا يمكن أن تتم من دون روسيا، حتى ولو لم تكن موجودة خلال اللقاء الأول».

هذه التصريحات تشير إلى أن الغرب يسعى لإنضاج رؤية مشتركة بخصوص التسوية الأوكرانية ثم يقذف بها باتجاه الملعب الروسي، ومن الراجح هنا أن تعمد تلك الرؤية لأخذ المطالب الروسية، أو بعضها، تلك التي أدت لاندلاع الصراع، بعين الاعتبار عبر مقاربة جديدة قد تشكل «إغراء» للأذن الروسية فتصيخ السمع لها، ومرد ذلك يأتي تحسباً لإمكان أن تحمل انتخابات تشرين الثاني الأميركية دونالد ترامب ثانية إلى السلطة حيث من المؤكد، وفقا للعديد من المؤشرات، أن يتخذ الصراع الأوكراني، في حينها، منعطفا جديداً من شأنه أن يكون مخلا بالتوازنات القائمة في القارة الأوروبية وفقا لمنظري هذه الأخيرة.

المسعى الغربي، برأس حربته السويسرية هذه المرة، سيسعى إلى اجتذاب قوى دولية من خارج قماشته مثل الصين والهند والبرازيل، حيث سيرسم حضور الأولى، فيما لو حصل، خريطة سياسية جديدة لموازين القوى المتحكمة بذلك الصراع، هذا إن لم يكن «الحضور» الصيني سيحصل بالتنسيق التام مع موسكو، فيما الاحتمالات ترجح أن فعلا من هذا النوع الأخير، أي حضور بكين لمؤتمر «السلام في أوكرانيا» دون تنسيق مع موسكو، من الصعب حدوثه قياسا للسياسات التي تتبناها الصين في عالم ما بعد 24 شباط 2022، لكن من المؤكد أن ثمة مكاسب أخرى يمكن أن تتأتى من انعقاد المؤتمر من نوع أن الغرب يريد للحدث الأوكراني أن يبقى طافياً على السطح السياسي العالمي خصوصاً بعد أن غيبته بشكل لافت الحرب الإسرائيلية على غزة، والشاهد هو أن هذه الأخيرة أثبتت أنها أكثر تأثيرا في العلاقات الدولية من الصراع الدائر في أوكرانيا.

اللافت في الأمر هو الطريقة التي ردت بها موسكو على إعلان أغناسيو كاسيس، فبعد ساعات من هذا الفعل الأخير خرجت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا لتقول: «وراء كل هذا يقف الديمقراطيون الأميركيون الذين يريدون صورا ومقاطع فيديو لحدث كهذا، للإشارة إلى أن مشروعهم (أوكرانيا) لا يزال من قضايا الساعة»، وما يقصد بـ«اللافت» هنا هو أن زاخاروفا حملت «الديمقراطيين» الأميركيين مسؤولية ما سوف يجري، وهي لم تذهب لتحميل ذلك للإدارة الأميركية عموماً التي يفترض أنها تمثل إرادة الشعب الأميركي، ومن المؤكد أن الفعل ذو مرامٍ عديدة بعضها يرمي للتأثير في القرار السياسي الأميركي الذي يتهمه تصريح زاخاروفا ضمنا بأنه بات أسير مصالح شرائح محددة من الأميركيين ممثلة بـ«الديمقراطيين» الذين تشير أسهم «بورصتهم» مؤخراً إلى انخفاضات متتالية، فيما يمكن القول: إن المرامي الأخرى قد تذهب إلى تثقيل جعبة المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي سيكون، شهر تشرين الثاني المقبل، على موعد مع مواجهة كبرى سوف تحدد، عبر نتائجها، الكثير مما يعني العالم عموماً وموسكو بدرجة خاصة.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن