قضايا وآراء

التزام واشنطن بأمن الكيان الإسرائيلي

| محمد نادر العمري

على الرغم من كل التسريبات التي كشفت عنها وسائل الإعلام الإسرائيلية والأميركية بمختلف أنوعها عن وجود خلافات بين الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، ملوحة بوقف دعم واشنطن لتل أبيب إن لم تنصت الثانية لنصائح الأولى فيما يتعلق بإطار العدوان على قطاع غزة، حتى إن بعض هذه الوسائل كانت قد أكدت بناء على تسريبات من مراكز صنع القرار داخل الإدارتين عن وجود تباعد واضح وتوتر في العلاقة بين الجانبين مرده إصرار نتنياهو على خوض عدوانه على قطاع غزة لتحقيق مصالحه الشخصية، إلا أن التطورات والأحداث التي تسارعت على المستويين السياسي والعسكري خلال الأيام السابقة أسقطت كل تلك الادعاءات الإعلامية والسياسية التي طغت على السطح خلال الآونة الأخيرة، وترافقت مع بعض الخطوات الأميركية المتمثلة باستقطاب بعض الشخصيات الإسرائيلية المعارضة لنتنياهو على غرار وزير الحرب بني غانتس وزعيم المعارضة يائير لابيد لتشكل عامل ضغط على نتنياهو من الداخل.

وقبل الخوض في شرح أبرز التطورات والأحداث التي أظهرت مدى تمسك الولايات المتحدة الأميركية بأمن إسرائيل، لابد من الإشارة إلى هناك مجموعة من العوامل والأسباب التي تمنع أي إدارة أميركية ولاسيما الإدارة الحالية من وقف دعمها للكيان الإسرائيلي، إذ تتمثل هذه الأسباب في:

أولاً- دور اللوبي اليهودي الفاعل والمؤثر داخل الولايات المتحدة سواء كان هذا الدور في صنع السياسات الداخلية والخارجية كجماعة ضغط تمتلك وسائل لفرض مراعاة مصالحها ضمن هذه السياسات، أو من حيث دور اللوبي في التدخل بالتعيينات الإدارية في معظم مفاصل المؤسسات الهامة داخل الولايات المتحدة مثل تعيينات كبار الموظفين في البيت الأبيض ووزارة الدفاع والكونغرس… إلخ، إضافة لدور هذا اللوبي في دعم الحملة الانتخابية لأي من مرشحي الحزبين الديمقراطي أو الجمهوري من حيث المساهمة في تمويل الحملة أو توظيف إمكاناتها لخدمة المرشح أو الترويج له، لذلك يأخذ في عين الاعتبار بشكل دائم من قبل الإدارات الأميركية دور هذا اللوبي.

ثانياً- الدور الوظيفي للكيان الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط ضمن إستراتيجية الولايات المتحدة الساعية لتعزيز دورها ومكانتها في هذه الرقعة الجغرافية الأكثر أهمية لها من الناحية الجيوبولتيكية، لأسباب تتعلق بأهمية المنطقة جغرافياً لكونها تشكل قلب العالم وعقدة المواصلات، أو لكونها تعد من أغنى مناطق العالم في إنتاج مصادر الطاقة، لذلك فإن الإستراتيجيات الأميركية منذ مطلع الخمسينيات من القرن الماضي كانت تحرص بشكل كبير على التركيز في محددات سياستها الخارجية بالربط بين الحفاظ على أمن الكيان الإسرائيلي وتعزيز وجودها في الشرق الأوسط، كما شكلت إسرائيل حجر زاوية رئيسي في المشاريع الأميركية الكبرى بالمنطقة والتي كان آخرها ما عرف بمشروع «بايدن» أو ما عرف بمشروع الطريق «الهندي- الأوروبي» في محاولة أميركية لفرض الكيان على دول المنطقة أو لضمان تنفيذ هذه المشاريع بما يوائم المصالح الأميركية– الإسرائيلية على حدٍ سواء، كما أن ترك إسرائيل وحيدة في المنطقة دون مقومات أمنها بل دون منحها عناصر تفوق، يهدد المصالح الأميركية ونفوذها في المنطقة، لذلك تحرص الإدارات الأميركية في فترتي الحرب، حرب تشرين على سبيل المثال، وفي فترة المفاوضات، كامب ديفيد أو مؤتمر مدريد، على تقديم ضمانات خطية كما التي قدمها وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كسنجر لحكومة مناحيم بيغن الإسرائيلية السابقة قبل بدء محادثات كامب ديفيد تتضمن التعهد باستخدام كل الإمكانات الممكنة لتحقيق المصالح الإسرائيلية.

ثالثاً- رغبة الولايات المتحدة الأميركية في الحفاظ على علاقتها الإيجابية بمؤسسات الصهيونية العالمية والمنتشرة في العديد من دول العالم سواء للتأثير بسياسات الدول المناوئة لواشنطن أو لتحقيق منافع اقتصادية، لكون هذه المؤسسات ذات تأثير كبير على الشركات المتعددة الجنسيات أو العابرة القارات، ويمكن أن تساعد أي الإدارات الأميركية في تعزيز تموضعها في السياسة الدولية.

رابعاً- فيما يتعلق بهذه الإدارة بالذات أي إدارة جو بايدن، فإنها لم تكن جادة بقطع المساعدات ولاسيما العسكرية منها عن الكيان الإسرائيلي، رغم الخلاف القديم الجديد الذي يسود علاقة كل من بايدن ونتنياهو، إذ إن واشنطن هي التي منحت الضوء الأخضر للكيان لاجتياح قطاع غزة وشن عدوان واسع عليه لتحقيق مصالح جيوإستراتيجية، ووزير خارجيتها الذي شارك بالاجتماع الأول لمجلس الحرب الإسرائيلي، قبل وصول وزير دفاعها ومن ثم الرئيس الأميركي الذي منحها الغطاء السياسي للسلوك العدواني فضلاً عن مد الجسر الجوي، لذلك فإن التهديدات التي كان يروج لها، لم تكن سوى محاولة ضبط سلوك نتنياهو، لأن وقف المساعدات العسكرية سيجعل هذا الكيان عارياً من حيث مقومات الدفاع والهجوم وهو ما قد يفهم من قبل محور المقاومة بأنها فرصة مناسبة لتدميره بالكامل.

هذه العوامل بطبيعة الحال، هي التي دفعت الإدارة الحالية للتركيز على ثوابت سياستها الخارجية المتمثلة بالدفاع عن أمن الكيان بل أيضاً المساهمة في الدفاع عنه وممارسة الضغوط لتحقيق مصالحه رغم ما يسود العلاقة الشخصية بين بايدن ونتنياهو، وبرز ذلك مؤخراً في صورتين:

الصورة الأولى ممارسة الولايات المتحدة الأميركية الضغوط على الجمهورية الإسلامية الإيرانية لعدم القيام بعمل عسكري كرد على العدوان الإسرائيلي الذي استهدف مقر القنصلية الإيرانية في دمشق، ورفضت واشنطن إدانته ووقفت أمام تبني مجلس الأمن لقرار يدين هذا الانتهاك للمواثيق الدولية، بل ذهبت واشنطن أبعد من ذلك عندما تلمست جدية طهران في الرد، حيث سارعت القوات الأميركية لإعلان حالة التأهب ورفع الجهوزية للدفاع عن الكيان مستقدمة معدات عسكرية بذريعة تحقيق الردع الإقليمي، ونسقت مع العديد من شركائها في الأطلسي مثل فرنسا وبريطانيا لمساعدة الكيان وحماية أمنه إلى جانب التنسيق مع بعض الدول الإقليمية.

هذه الصورة بمعنى آخر تؤكد أن العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية والكيان مهما بلغت حالة التوتر على المستوى الشخصي أو الحزبي، إلا أن ذلك لا يعني أنها تتخلى عن التعهدات بالدفاع عن أمن الكيان وهو ما عبر عنه كل المسؤولين الأميركيين وفي مقدمتهم الرئيس بايدن، وفي الإطار ذاته ورغم مسعى واشنطن لعدم توسيع دائرة الصراع إلا أنها من المؤكد ستلعب دوراً في جلب المزيد من الدعم الدولي العسكري والاقتصادي والمعنوي للكيان، وربما تقوم بمساعدة قوات الاحتلال بالقيام برد على الرد الإيراني يكون بتنسيق وضوء أخضر أميركي لا يستدعي توسيع التوتر لحفظ مكانة إسرائيل في المنطقة.

الصورة الثانية تتمثل في وقوف الولايات المتحدة إلى جانب مطالب الوفد المفاوض الإسرائيلي فيما يتعلق بالتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، فواشنطن التي تذرف الدموع زيفاً على أهالي القطاع وتطالب حكومة نتنياهو بزيادة إدخال المساعدات، هي حتى اليوم لا ترى أن هناك مجازر حرب ارتكبت في قطاع غزة خلال أكثر من سبعة أشهر، وهي تدعم المطلب الإسرائيلي لعدم التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار دائم بل مؤقت بهدف استعادة الأسرى فقط، وهي تقف خلف المطلب الإسرائيلي في وضع حواجز تفتيش على شارعي صلاح الدين والرشيد في حال التوصل لاتفاق، ولا ترى أن هناك حاجة لانسحاب إسرائيل من القطاع وغير ذلك الكثير.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن