قضايا وآراء

اجتياح رفح.. عوامل الفعل لم تتكامل بعد

| عبد المنعم علي عيسى

منذ أن وصلت الحرب في غزة إلى مسارها المسدود في خان يونس قبل نحو سبعين يوماً، تزايد فعل الضغط الإسرائيلي بالنار على جولات التفاوض التي هدفت تل أبيب من خلالها إلى إطلاق سراح أسراها الذين باتت قضيتهم تهدد بانفراط عقد التحالف الحاكم، وعليه فقد راح رئيس الوزراء الإسرائيلي، جنباً إلى جنب وزرائه في «كابينيت» الحرب، يطلق التهديد تلو الآخر بأن جيشه سوف يقوم باقتحام رفح، التي باتت تمثل الملاذ الوحيد لسكان القطاع، إذا ما فشلت جولات التفاوض في تحقيق المرجو منها آنف الذكر، والشاهد هو أن الأخير كان قد قال، عشية شهر رمضان المنصرم، إن قواته باتت قاب قوسين أو أدنى من القيام بشن هجوم بري على رفح بسبب «التعنت الذي تبديه حماس في المفاوضات»، الأمر الذي دفع بالعلاقة الأميركية الإسرائيلية نحو بعض من التوتر الذي يصح توصيفه بـ«غير المعهود» على خلفية إصرار تل أبيب «صم آذانها» صوب كل الغرب الذي وجد نفسه في وضعية «المحرج» أمام شارعه الذي راحت أصواته ترتفع على وقع المجازر وحروب الإبادة الجماعية، مطالبة بكبح جماح إسرائيل في عتوها وبربريتها اللتين لم يشهد العالم مثيلاً لهما منذ الحرب العالمية الثانية.

ما بعد استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية بدمشق يوم الأول من نيسان الجاري، وما تلاه من رد إيراني ثم رد إسرائيلي على الرد، سرت تقارير، بعضها نسب إلى مسؤولين أميركيين وإسرائيليين من دون تسمية أسمائهم أو ذكر المناصب التي يشغلونها، مفادها أن تل أبيب لربما حصلت على ضوء أخضر أميركي باجتياح رفح كـ«مكافأة» لها على ردها الذي جاء ليثبت أنها لا تسعى إلى زيادة اتساع رقعة النار في محيط بات أقرب لبرميل بارود مهدد بالانفجار بأدنى شرارة، وما جرى هو أن ممارسات الجيش الإسرائيلي راحت تعزز تلك الفرضية من خلال القصف الكثيف للأحياء الأكثر اكتظاظاً للسكان في رفح، في مؤشر إلى أن المرمى هو إجبار الكتلة الأوزن من هؤلاء للنزوح إلى أي مكان آخر خارج رفح.

لكن على الرغم من ذلك فإن ثمة معطيات ومؤشرات تؤكد أن فعلاً من نوع اجتياح الجيش الإسرائيلي لـ«الملاذ الأخير» لا يزال بعيداً حتى الآن، ولعل الأهم منها أن الفعل سيكون أشبه بمقامرة لا أوراق أخرى يمكن استخدامها لاستمرار «سهرة القمار»، إذ إن الإسرائيليين اعتقدوا، من دون شك، بعد خان يونس، أن المكان الأنسب الذي يمكن لـ«حماس» أن تفكر في نقل الأسرى إليه هو رفح، ولربما كان الاعتقاد واقعياً بدرجة كبيرة، لكن الواقعية عينها الآن تفترض الاعتقاد لدرجة الجزم بأن «حماس» لا يمكن لها أن تبقي على هؤلاء في رفح، في حال ثبوت صحة الاعتقاد الإسرائيلي، بعد كل التهديدات التي أطلقها قادة الاحتلال والتي كان أبرزها إعلان رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو في أعقاب محادثة له مع الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه «سيجتاح رفح حتى ولو وقف العالم بأسره في وجهه»، ومن تلك المعطيات والمؤشرات، أن الطرف الأميركي يبدو متحسباً، بدرجة الحذر، للتداعيات المحتملة لتهجير ما يزيد على مليون فلسطيني الذين سيجدون أنفسهم في وضعية «المحرقة» التي لا مفر منها، والراجح هو أن واشنطن سوف تستخدم المزيد من أوراق الضغط لكيلا يحصل ذلك، مع لحظ التقارير التي أشارت إلى أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن سوف يعلن، في غضون أيام، عن عقوبات على وحدة «نيتساح يهودا» اليمينية المتطرفة، وهو فعل يندرج في سياق تلك الضغوط، وعلى الرغم من أن الوحدة الأخيرة لا تمثل استثناء ضمن وحدات الجيش الإسرائيلي التي ارتكبت ممارسات أشد وأفظع منها، إلا أن فرض عقوبات عليها سوف ينزع «قشرة البصل» الأخيرة عن السمة التي لطالما حاول كيان الاحتلال، عبرها، التسويق لمفهوم يقول إن جيشه «هو الأكثر أخلاقية» من بين جيوش العالم، وثالث الاعتبارات والمعطيات يمكن لحظه في التوازن الهش القائم في العلاقة الإسرائيلية المصرية، والذي لا بد لتل أبيب أن تتحسب له لكيلا يدخل مرحلة «أكثر هشاشة» والتي يمكن لفعل اجتياح رفح أن يؤدي إلى دخولها، وما يثقل من فعالية ذلك الثالوث، فيبطئ من السعي لتنفيذ الاجتياح، هو أن ذلك كله يحدث في ظل انقسام داخلي تجاه هذا الفعل الأخير جنباً إلى جنب مسائل عدة تتعلق بمسار الحرب والعلاقة مع المحيط.

هنا يمكن القول إن التلويح باجتياح رفح، أقله في الوقت الراهن، لا يعدو أن يكون ورقة ضغط على حماس التي لا تزال بعد ستة أشهر من الحرب ثابتة عند مواقفها فيما يخص صفقة إطلاق الأسرى التي قالت منذ البداية إنها لن تتم سوى بمفاوضات غير مباشرة تفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار وعودة النازحين إلى ديارهم، وورقة ابتزاز لواشنطن التي راحت مواقفها تتأرجح بين الدعم التام المتمظهر بعشرات المظاهر، والدعم المشروط الذي لاحت تراسيمه من خلال تمريرها لقرار مجلس الأمن 2728، الداعي لوقف إطلاق النار في غزة، والصادر عن هذا الأخير يوم 25 آذار المنصرم.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن