ثقافة وفن

السوشال ميديا وخفاياها وعوالمها مساحة مثيرة للاكتشاف … «رماد الورد»… حيث الاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي وتجنيد الشباب لمصالح خاصة

| مصعب أيوب

في ظل الزخم الدرامي الحاصل والتكثيف البصري خلال الموسم الرمضاني بزغ نور رماد الورد جلياً برغم الإنتاج المتواضع والإمكانيات القليلة، فتمحورت القصة فيه حول موضوع شائك وقضية مهمة فاتحة الأبواب على علاقات عدة وتشعبات كثيرة وأولها الجريمة الإلكترونية، فبعد أن يصل إلى المحامي العام ملف مهم حول جريمة قتل وأثناء الكشف عن ملابسات الجريمة تعترضه بعض العقبات وتتوالى الأحداث في إطار تشويقي ومثير، لتجري أحداث العمل ضمن بيئة اجتماعية لا تخلو من بعض الخيوط البوليسية والتشويقية التي يلعب جيل الشباب دوراً بارزاً فيها، فمن الجميل أن نرى على الشاشة وجوهاً شابة جديدة تقدم شيئاً جديداً ومختلفاً عما ألفه المشاهدون، وإن كان بعضها في غير مكانه، ولكن لا ضير من إتاحة الفرص لمثل هؤلاء وخصوصاً أنهم خريجون أكاديميون، وقد اختارتهم مخرجة العمل ديانا فارس لتقديم أدوار شابة بعمر الورود واضعةً بين يدي المشاهد السوري عملاً توعوياً يغني القيم الإنسانية ويسلط الضوء على جوانب كثيرة مغيبة في الدراما.

جريمة إلكترونية

أحداث العمل تسير بتصاعد منطقي، وأداء الشباب عفوي ومدروس في غالبيته، ليحمل العمل الكثير من الخطوط الدرامية وكل خط يأخذ منحى معيناً، فيؤمن صنّاعه أن من أهم وظائف الفن تسليط الضوء على قضايا كهذه ولاسيما أنها جديدة من نوعها في مجتمعاتنا، فكان الهدف الأساسي توعية الجمهور بجميع الفئات العمرية وتحديداً تلك التي تنشط كثيراً على منصات التواصل الاجتماعي، إلى موضوع الجريمة الإلكترونية وخصوصاً عندما باتت تشكل خطراً كبيراً يفوق عواقب الجريمة الجنائية.

فيضيء العمل على شريحة من الشباب الذين غدوا ضحية الاستغلال عن طريق الاستخدام الخاطئ لبعض التطبيقات الإلكترونية وهو ما أحدث آثاراً سلبية نجم عنها لاحقاً عدة جرائم إلكترونية، ولم ينس صناعه إفساح المجال لكل أفراد العائلة من أجل متابعة العمل معاً بحيث يخلو من أي إيحاءات جنسية وألفاظ سوقية أو مشاهد خادشة للحياء.

كل في مكانه

يؤدي وائل رمضان في العمل دور المحامي العام القاضي مضر عرفان الذي يسعى بأي طريقة لأن يكون منصفاً للعدل ويقف إلى جانب المظلومين، كما يحاول أن يسعف من هم بحاجته ومن يعانون بشكل حقيقي مجتمعياً، وهو يمثل الضمير الحي والساعي للحق في مجابهة الباطل.

وتقدم عهد ديب شخصية جريئة بعد أن قدمت عدة شخصيات سابقة مشابهة، وهي مها التي تنشئ تجارة سرية غير مشروعة فكانت امرأة مكافحة تسعى لتحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقلال المادي، ولكنها تقع في شباك عماد ومخططاته.

وتتألق هيما إسماعيل بدور الأم «صباح» زوجة القاضي مضر التي تغلبها عاطفتها وتحلق بعيداً في أدائها متقنة دور الأمومة باحتراف، وعبير شمس الدين في دور المرأة التائهة بين إرضاء أبنائها من زوجها وتقلباتهم وطيش قراراتهم وبين زوجها «جمال العلي» الذي يحاول الاستحواذ على كل ما تملك، وتعيش ندى «روعة ياسين» تخبطات عدة ومنعطفات كثيرة في علاقتها بزوجها عماد «محمد حداقي»، وتضطر مراراً للتنازل أو التضحية في سبيل الحفاظ على حبهما الذي تعده مقدساً، لكن تصرفات زوجها وطيشه يحولان دون ذلك فتضطر لطلب الطلاق عدة مرات، لتحاول أختها صباح إقناعها بالبقاء معه لأنها تجاوزت الأربعين من العمر وهي غير قادرة على الإنجاب.

وتبرز ثنائية جيني إسبر وعامر علي كشريكين وشقيقين يديران وكالة للتواصل الاجتماعي تتشعب عنها خطوط كثيرة، فجندا الكثير من الشباب لحصد المشاهدات واللايكات والمتابعين على حساب القيم والأخلاق والثقافة العامة.

أجواء عائلية

الأهل بحسب العمل على حدّي سكين ومفارقات كثيرة بينهم وبين الأبناء، والشيء الجميل في الحكاية هو الأجواء العائلية وروح الألفة والتشاركية، فهاهو الأستاذ الجامعي فيصل «وضاح حلوم» الذي يعيش في بيت عربي قديم يستقطب أبناء أخيه ويستقبلهم في بيته بكل رحابة صدر، لتزج لنا كاتبة ومخرجة العمل ديانا فارس هدوء البيوت الدمشقية وعبير ورودها في هذه المشاهد، فهي أجواء ممتعة ومؤنسة.

أيضاً تبرز علاقة القاضي مضر بأبنائه وسعيه الدؤوب لتقديم الأفضل لهم بعيداً عن توبيخهم أو تأنيبهم على أغلاطهم، إنما كان ناصحاً ومعيناً والصديق المقرب بالنسبة لهم، لتقول لنا فارس إن علاقة الأب بالابن يجب أن تكون قائمة على الود والتآلف والتشاور والديمقراطية، ولعل أبرز ما يدمغ هذا القول طريقة تعاطي القاضي مضر مع قضية رسوب ابنه في امتحان الشهادة الثانوية، فطرح لنا العمل صورة جميلة عن الأسرة الناجحة والتربية الجيدة.

دروس ورسائل

كما يمكن للعمل أن يعلمنا بعض الدروس الحياتية من خلال الإضاءة على بعض القضايا والظواهر المعيشية، كمعاناة الشاب المغترب وصعوبة تأمينه الاحتياجات الأساسية وإحساسه بالغربة بعد أن ابتعد عن عائلته ومحبيه، وكذلك من القضايا التي يصورها العمل فساد التعامل فيما يخص بيع جرعات مرضى السرطان، واستغلال بعض الأشخاص في مراكز اللياقة البدنية وتحايلهم على بعض المشتركين ممن هم أصغر منهم سناً لتحصيل بعض المال عن طريق خداعهم ببناء جسم رياضي جميل وبنية عضلية متميزة.

كما أنه من الجميل توقف موكب القاضي مضر الذي جاء بجثمان صهره الذي توفي إثر تفجير مرفأ بيروت عند موقعة ميسلون والمكان الذي دفن فيه القائد يوسف العظمة لكي يتسنى للجيل الجديد البحث عن هذا الاسم ودوره المهم في تاريخ سورية.

هفوات النص والإخراج

ولكن ماذا عن التفاصيل اليومية التي يعيشها السوريون اليوم والتي كانت غائبة عن العمل؟ فلا انقطاع للكهرباء ولا الإنترنت وشبكات الاتصال جيدة وممتازة أيضاً، ثم ماذا عن باقات الإنترنت باهظة الثمن؟ لماذا لم نسمع عنها شيئاً؟ طبعاً نحن نتساءل عن هذه الأمور لأن العمود الفقري للعمل هو الإنترنت ومواقع التواصل، وتحديداً تطبيق تيكتوك المحظور في سورية، وكذلك الأمر فيما يخص جهاز الإنتربول الدولي غير المفعل في سورية والذي تم ذكره في الحلقة الأخيرة أنه ساعد جهاز الأمن في القبض على بعض المطلوبين للعدالة.

كما استُخدمت ألوان باهتة وإضاءة غير مناسبة في كثير من المشاهد على الرغم من محاولة مخرجته استخدام قدراتها الإخراجية لإنقاذ العمل، لا حشو غير مفيد والأحداث تسير بطريق منطقي وإن كانت بطيئة بعض الشيء.

ومن الهفوات الإخراجية أيضاً بعض الضعف الذي اعترى تنفيذ بعض المشاهد ومنها مشهد حرق جرجس جبارة والحادث المفتعل للتخلص من القاضي مضر، ومنها عرض البث المباشر بطريقة عرضية على حين أنه في حقيقة الأمر كان بشكل طولي.

أخيراً ؛ ربما لم يحظ العمل بتسويق جيد أو اهتمام إعلامي يتناسب وقوة فكرته وسمو رسالته والقيم والمعاني المهمة التي يحملها، لكن هذا لا ينفي عنه صفة العمل التوعوي والإرشادي ولاسيما لفئة الشباب.

وجوه جديدة

من أبرز الوجوه الشابة في العمل: دلع نادر بشخصية الطالبة التي تلجأ في كثير من الأحيان إلى الدكتور فيصل وبمرور الوقت تتطور علاقتهما ليطلب يدها بعد أن كان عاكفاً عن الارتباط بعد وفاة خطيبته، وكذلك الشابة غفران هواري «رفيف» التي تؤدي دور ابنة المحامية لينا «عبير شمس الدين» والتي تعيش عدة خلافات عائلية أبرزها أطماع زوج أمها بثروتها ومحاولته الاستحواذ على كل شيء، وهي أيضاً كباقي شباب العمل مولعة بالتطبيقات الإلكترونية والتريندات، وتؤدي نور شمص شخصية ابنة المحامي العام مضر عرفان وهي موظفة في أحد البنوك وتتزوج من أحد العملاء الذي كان ضحية انفجار مرفأ بيروت، والشاب شوقي الجمعات يؤدي دور أحد ضباط الأمن وهو يعمل تحت إدارة وإشراف القاضي مضر، وكذلك يؤدي الشاب علي يوسف دور المخرج طلال الذي يقوم بتنفيذ بعض الأفلام القصيرة وتجمعه عدة لقاءات بمصممة الديكور ويقرر الارتباط بها أيضاً، والشاب عمرو الماريش يلعب شخصية الابن الأكبر للمحامي مضر الذي يغادر بلده لإتمام الدراسة في بلد متقدم علمياً وتكنولوجياً.

ومن الوجوه الشابة أيضاً في العمل، جيان حسام وفوز عليا وعلي سلمان ودرويش عبد الهادي ونور الطباع وكريم نويلاتي الابن الأصغر للقاضي مضر المولع برياضة بناء الأجسام، وعلي عهد إبراهيم وسيدرة جباخنجي وفايز أبو الشكر ومحمد السقا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن