قضايا وآراء

الجميع متطرف في الكيان الإسرائيلي

| محمد نادر العمري

بعد ساعات قليلة من نشر موقع «أكسيوس» خبراً مفاده بأن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن سيعلن عن «عقوبات ضد وحدة مثيرة للجدل فيما يسمى الجيش الإسرائيلي في الأيام المقبلة» في إشارة إلى كتيبة «نيتسح يهودا» وهي وجهة المستوطنين اليمينيين المتطرفين الشباب من الضفة الغربية الذين لم يتم قبولهم في وحدات أخرى للجيش الإسرائيلي، حتى أثار ذلك زوبعة من المواقف الإسرائيلية المناهضة لهذا التوجه الأميركي المريب والمخادع من حيث التوقيت والدوافع لانتقاء هذه الكتيبة بالذات.

زوبعة المواقف المتطرفة من قبل الساسة والعسكريين الإسرائيليين أصبحت تشكل مزاودة علنية بين من يصنف في التيار الوسط أو اليمين المعتدل، وما بين اليمين المتطرف بحد ذاته، تصدرها تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي سارع للحفاظ على دعم أصوات مؤيدي ائتلافه الحاكم من المتطرفين بقوله: إنه «لا يجوز فرض عقوبات على جيشنا وسنتحرك بكل الوسائل ضد هذه الإجراءات التي اعتبرها انحطاطاً أخلاقياً وقمة السخافة»، في حين نقلت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية رد قائد هذه الكتيبة على العقوبات الأميركية المرتقبة، بالقول: «أخلاق جيشنا أعظم من الجيش الأميركي»، « في مؤشر على توجه القيادة العسكرية الإسرائيلية لتبني النهج المتطرف وتقديم كل الدعم والغطاء لممارسات المتطرفين المجندين ضمن هذه الكتيبة لاستمرار صيانة انتهاكاتهم، وهو ما دفع ما يسمى «الجيش الإسرائيلي» لإصدار بيان «تضمن رفضه وعدم اعترافه بأي عقوبات أميركية تفرض على إحدى الكتائب التابعة له معتبراً أن هذه الكتيبة تقوم بدور مقدس في حرب غزة ضمن مبادئ القانون الدولي».

بينما سارع الوزراء المتطرفون لمحاولة شيطنة التوجه الأميركي واستغلالها لزيادة تطرفاتهم، معتبرين هذه العقوبات في حال تبنيها من قبل الخزانة الأميركية خطوة غير مسبوقة وتجاوز للخطوط الحمر وفق وصف وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الذي حذر إدارة الولايات المتحدة من هذا التوجه، في حين وصف وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، فرض عقوبات أميركية على «الجيش الإسرائيلي» جنون مطلق ومحاولة لفرض دولة فلسطينية بشكل علني، ولكن اللافت في كل ذلك مسارعة رئيس معسكر الدولة المعارض للائتلاف الحكومي وعضو مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس لرفض هذه العقوبات التي وصفها بـ«السابقة الخطيرة» واعداً بإعاقة القرار قبل صدوره.

إخضاع كتيبة «نيتسح يهودا» لعقوبات من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بإجراءات تشمل منع حصول الوحدة العسكرية على المساعدات التي تقدمها واشنطن لما يعرف بـ«الجيش الإسرائيلي» أو المشاركة في تدريبات مشتركة مع الجيش الأميركي استناداً لقانون «ليهي»، وهو القانون الذي صاغه السيناتور الأميركي باتريك ليهي في العام 1997، إذ إنه يحرم تقديم أي مساعدة عسكرية للأفراد أو وحدات قوات الأمن التي ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، تثير الكثير من إشارات الاستفهام بهذا التوقيت، ما يجعلنا أمام دوافع واشنطن لتبني هذه العقوبات والتلويح بها:

أولاً- على المستوى الداخلي الأميركي هناك العديد من الدوافع التي تشكل ركيزة أساسية لإدارة بايدن لتبني هذه العقوبات، لعل أبرز هذه الدوافع تتمثل في العامل الانتخابي الذي بات يشكل الشغل الشاغل للديمقراطيين الساعين نحو تحسين شعبية مرشحهم للانتخابات الرئاسية نتيجة تراجع شعبية بايدن لتبنيه سياسات داخلية وخارجية قلصت من حاضنته الانتخابية من جانب، وعدم جدوى كل الاتهامات القضائية لمنافسه الجمهوري دونالد ترامب في حرمانه من خوض الانتخابات من جانب ثانٍ، في حين مثّل عدم قدرة واشنطن في استعادة الأسرى الذين يحملون الجنسية الأميركية المتواجدين لدى الفصائل الفلسطينية دافعاً ثالثاً، فضلاً عن رغبة واشنطن للتخلص من الضغوط الداخلية التي تمارس ضدها لعدم إرسال الأسلحة للكيان نتيجة ارتكابه المجازر، وبالتالي التلويح بفرض عقوبات على هذه الكتيبة أو تبنيها يسهم بقدر كبير في تخلص إدارة بايدن من القيود الداخلية بذريعة حرمان المتطرفين من المساعدات الأميركية، وهو ما يفسر مسارعة وسائل الإعلام الأميركية للتذكير بما ارتكبته هذه الكتيبة من جريمة بحق المسن الفلسطيني الأميركي، عمر أسعد (80 عاماً)، في كانون الثاني 2022، إثر اعتقاله بالقرب من حاجز تفتيش في بلدة جلجولية.

ثانياً- إن هذه الخطوة تحمل أكثر من بعد فيما يتعلق بالداخل الإسرائيلي أبرزها محاولة تقييد الاجتياح الإسرائيلي لرفح، وزيادة التضييق على أركان الائتلاف الحكومي المتطرف لكون الكتيبة التي أنشئت عام 1999 تضم اليهود المتدينين «الحريديم» ومستوطنين متطرفين يشكلون نواة الدعم لهذا التيار الذي يتباهى بدعمه للمرشح ترامب، والأهم من ذلك في محاولة أميركية للضغط على نتنياهو للقبول بتوجهات واشنطن فيما يتعلق بصفقة الرهائن ومسار المباحثات بهدف التوصل لصفقة تحتاجها الإدارة الأميركية في أقرب فرصة في ظل استمرار اليمين المتطرف بإحراج واشنطن التي سارعت لفرض عقوبات منذ السابع من تشرين الأول لعام 2023 على ثلاث منظمات غير رسمية تتبع لليمين المتطرف كان أبرزها منظمة «لاهافاه» ومؤسسها بنتسي غوفنشتاين الحليف المقرب من إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي الإسرائيلي.

ثالثاً- على المستوى الدولي فإن واشنطن التي توجه لها أصابع الاتهام والمسؤولية عن الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال، تسعى لتلميع صورتها، وللحفاظ على دورها كوسيط وحيد في إطار الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، رغم انحيازها الواضح لمصلحة الأخيرة، وهو ما يفسر تهديدها لفرض عقوبات لأول مرة على كتيبة عسكرية تمثل جزءاً من مؤسسات الكيان الرسمية.

إخضاع كتيبة «نيتسح يهودا» التي أسسها الحاخام تسفي كالبناو، وهو يهودي أميركي متدين هاجر إلى الكيان في العام 1996، لعقوبات أميركية، تجعلنا أمام العديد من الحقائق التي لا يمكن تجاوزها، أبرزها تتمثل في:

– هذه الكتيبة التي لم تولد من رحم «الجيش الإسرائيلي» بل كوسيلة للتعاون بين بعض حاخامات الأرثوذوكسية اليهودية ووزارة الدفاع بهدف استقطاب الشباب الحريديم للخدمة، ستجعل موقف الحاخامية الأرثوذوكسية أقوى اليوم في رفض قانون ما يعرف بتجنيد الحريديم وستكون وسيلة بيد نتنياهو ذاته لفرض رؤية وشروط الحاخامية في تحديد عدد وسن أتباعها داخل الجيش.

– للوهلة الأولى، يمكن القول إن هذه الكتيبة هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن حالات التطرف التي تمارس في الضفة الغربية، إلا أن ظواهر العنف والإرهاب والتطرف هي ميزات لا تتفرد بها «نيتسح يهودا»، بل هي سمات مشتركة عند أغلبية وحدات قوات الاحتلال الإسرائيلية.

– هذه العقوبات ستكون ذريعة قوية بيد حلفاء نتنياهو في الائتلاف الحكومي من المتطرفين، للضغط عليه أكثر لاجتياح رفح من دون أي موافقة أميركية، وفي سعيهم لتعزيز قوة الجماعات المتطرفة غير الرسمية من سلاح وتدريب لتكون بيدهم عصا قوية وورقة رابحة غير قابلة لأي قيود.

– التسريبات الإعلامية الأميركية بفرض عقوبات على هذه الكتيبة أظهرت تطرف كل الكيان من الساسة والعسكريين والمجتمع الاستيطاني، من خلال تعبيرهم الصريح والواضح برفض هذه العقوبات سواء كان ذلك للأسباب الانتخابية الساعية لضمان ولاء أصوات اليمين أم بهدف الخشية من ارتدادات ذلك على قوات الاحتلال، حتى إن إحدى وسائل الإعلام الإسرائيلية المقربة من مكتب نتنياهو وصفت ذلك بـ«المزحة الغبية» لكونها ستؤدي لتعزيز ثقة خصوم إسرائيل في محور المقاومة.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن