قضايا وآراء

هل تتقدم الصين عسكرياً لمحاربة الإرهاب؟

| د. بسام أبو عبد الله 

يقول هنري كيسنجر صاحب نظرية احتواء الصين: «إن السياسة الصينية لم تكن مطلقاً صدامية بل دبلوماسية ذكية، وحذرة، وإن ما يهم الصين حقاً هو الحفاظ على النمو، والوصول الآمن، والحر للأسواق الخارجية، أما حين تنفجر المشكلات السياسية فإن الصينيين يفضلون البقاء على الحياد، أو الامتناع عن التصويت، بينما الآخرون يظلون في الأزمة، هم لن يتحركوا إلا إذا كانت لهم مصلحة مباشرة، ولا عيب في ذلك».
ليتابع القول: (هم يتبعون المثل الصيني القائل: كن كالجالس على قمة الجبل حينما تتعارك النمور).
يبدو أن بكين خالفت هذه القاعدة الكيسنجرية في الحالة السورية فقد شاركت موسكو في ثلاثة فيتوات في مجلس الأمن بشكل فاجأ العالم إذ رفع المندوب الصيني يده بقوة في تشرين الأول عام 2011 ضد مشروع قرار أوروبي بدعم أمريكي يدين ما سماه (القمع) في سورية، وأعاد الكرة مرة أخرى في شباط 2012 ضد مشروع قرار عربي أوروبي يدعم خطة الجامعة العربية لتغيير (النظام السياسي في سورية)!! وفي تموز من العام 2012 رفعت الصين الفيتو للمرة الثالثة ضد مشروع قرار عربي لفرض عقوبات على سورية تحت الفصل السابع، وآنذاك أثارت الصين تساؤلات كثيرة في الغرب حول معنى استخدامها مع روسيا ثلاثة فيتوات حيث اعتبرت نيويورك تايمز أن الدافع الحقيقي لذلك هو الوقوف مع روسيا فيما اعتبرته الدولتان انفراداً أمريكياً وأوروبياً في تقرير مصير بعض الأنظمة في الشرق الأوسط، وخاصة أن الصين كانت تتجنب استخدام الفيتو في حالات كثيرة، وكانت تمتنع عن التصويت في القرارات التي لا تؤيدها، ولم تستخدم الفيتو إلا (8) مرات فقط في قضايا عادة ما تكون ذات أهمية قصوى للمصالح الوطنية الصينية.
بالرغم من أهمية العامل الاقتصادي في السياسة الخارجية الصينية باعتبار أن الصين ثاني أقوى اقتصاد في العالم، والتقديرات الأمريكية تقول إنها قد تتجاوز أمريكا خلال السنوات القادمة، إلا أن هذا العامل ليس الأساس في الحالة السورية ذلك أنه على الرغم من الروابط التجارية بين سورية والصين كانت جيدة للغاية، ووقعت اتفاقيات عديدة بين البلدين ووصل حجم التبادل التجاري لحدود 2.2 مليار دولار عام 2010، كان هذا الرقم متواضعاً جداً إذا ما قسناه بحجم التبادل التجاري مع دول الخليج الذي يتجاوز 90 مليار دولار سنوياً، كما أن السعودية مثلاً تعتبر أحد أكبر موردي النفط للصين، ومن هنا فإن العامل الاقتصادي ليس أساسياً هنا.
لكن هناك عوامل أخرى عديدة تقف خلف التطور التدريجي للموقف الصيني تجاه ما يجري في سورية، ومنها:
1- تخشى الصين كثيراً من ظاهرة انتشار الإرهاب المتأسلم (التكفيري) مع تزايد أعداد الأويغور الصينيين القادمين إلى سورية بدعم أمريكي غربي خليجي، واحتمالات إعادة استخدام هؤلاء مرة أخرى ضد الصين ومصالحها بهدف منع استمرارها في التقدم الاقتصادي، وعرقلة مشروع الطريق والحزام الذي تتبناه الحكومة الصينية للسنوات العشر القادمة.
2- تدرك الصين تماماً أنه على الرغم من أن أعداد الإرهابيين الأويغور لا يتجاوز الآلاف في سورية الآن، لكن استمرار العمل عليهم، وازدياد التمويل والتحريض قد يحولهم إلى مئات الآلاف ما يشكل خطراً إستراتيجياً على الأمن القومي الصيني وخاصة في مناطق (تشينجيانغ) شمال غرب الصين وهي المقاطعة القريبة من آسيا الوسطى، التي تشكل قاعدة الانطلاق لمشروع طريق الحرير.
3- ترفض الصين بقوة السياسة الغربية الهادفة لنشر الفوضى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط من خلال عمليات قلب الأنظمة الشرعية باستخدام القوى المتطرفة، والدينية، وتحت شعارات براقة- كاذبة كالديمقراطية- والحرية- وحقوق الإنسان، وتدعم حق الشعوب في تقرير مصيرها وتحديد شكل النظام السياسي المناسب لمجتمعاتها من خلال الأساليب السلمية والحوار السياسي، ولهذا وقفت ضد محاولة الغرب تكرار السيناريو الليبي في سورية ما سيغرق المنطقة بالفوضى.
4- تعرف الصين جيداً أن هدف الحرب على سورية هو السيطرة على قلب الشرق الأوسط للتحكم لاحقاً، والانتقال لمواجهة الخصوم الكبار (روسيا والصين) ومنع نشوء تكتلات جديدة تضعف الهيمنة الأمريكية على العالم، فروسيا تحاصر من خلال أوكرانيا- جورجيا- أوروبا الشرقية، وخلق المشاكل لها في محيطها القريب، وأما الصين فقد بدأت أمريكا بالعمل لمحاصرتها عبر بحر الصين الجنوبي، ونشر أنظمة صاروخية، وانتشار بحري كثيف في تلك المنطقة، وتحريك العداوات، والمشاكل مع دول الإقليم هناك، ولقد كان لقرار محكمة العدل الدولية في لاهاي لمصلحة الفيليبين تجاه الحقوق التاريخية للصين في بعض جزر بحر الصين الجنوبي إشارة مستفزة لبكين.
5- إن مراجعة سريعة لبيانات أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة تشير بوضوح إلى أن الصين قد أصبحت هدفاً للتنظيمات التكفيرية، فالظواهري يدعو دائماً لمواجهة: (العلمانيين، والكفار الصليبيين، وروسيا، والصين…) التي أضيفت لقوائم الاستهداف التكفيرية.
وإذا أخذنا مجمل العوامل السابقة فإن الموقف الصيني تجاه الحرب على سورية كان يتحرك ببطء للأمام، فبعد استخدام بكين للفيتوات الثلاثة حافظ موقفها على أداء سياسي داعم لموسكو يدعو للحل السياسي، ويرفض التدخل الخارجي، ويدعم مكافحة الإرهاب، والحوار السوري- السوري، حيث استقبلت بكين عدداً من أطياف المعارضة السورية، وأعلنت دعمها للمحافظة على مؤسسات الدولة السورية، ورفض نشر الفوضى، كما ساهمت في الدعم الإنساني للشعب السوري.
الموقف الصيني تطور بشكل ملحوظ فقد عينت مبعوثاً خاصاً هو السيد (شي شياويان) مختصاً بالشأن السوري لمتابعة هذا الملف، كما تناقلت وسائل إعلام عديدة عن إرسالها حاملة الطائرات (لياونينغ) إلى ميناء طرطوس في شهر أيلول 2015 كتعبير عن الدعم لسورية في مكافحة الإرهاب، وفي 16/8/2016 أي قبل أيام فقط كشفت صحيفة (ساوث تشاينا مورنينغ ستار) عن زيارة مدير مكتب التعاون العسكري الدولي في اللجنة المركزية العسكرية الصينية الأدميرال (قوان يوفي) إلى دمشق، واجتماعه مع وزير الدفاع السوري العماد فهد جاسم الفريج، ومع رئيس مركز المصالحة الروسي في حميميم الجنرال (سيرغي تشفاركوف)، وحسب ما تسرب من أنباء فإن هدف الزيارة مواصلة تعزيز التعاون بين الجيشين، وتقديم فرص تدريب، وخبرة، وقضايا التسليح… ولكن الخبر لم يشر إلى ما إذا كان قد تم بحث تعزيز الوجود العسكري الصيني من أجل محاربة الإرهاب.
وعلى الرغم من أن العديد من الخبراء، والمختصين يرون أن الخطوة الصينية لن تكون إلا على مستوى منخفض، ولن تتحول إلى انخراط عسكري مباشر، وإنما ستقتصر على تقديم الدعم التقني، والتدريب والتأهيل، لكن ذلك أمر جيد جداً بالنسبة للصين التي كانت غالباً متحفظة تجاه الانخراط المباشر في النزاعات المعقدة مثل المسألة السورية.
الواضح تماماً: أن الصين بدأت تدرك كغيرها من القوى الصاعدة في العالم، وكدولة ذات عضوية دائمة في مجلس الأمن الدولي أن أهداف الغرب أصبحت مفضوحة، ومكشوفة، وأن انتصار الشعب السوري، والدولة السورية في حربهما على الإرهاب التكفيري هو انتصار لكل شعوب العالم المتحضر ضد الهمجية، والنازية الجديدة التي إن لم تُهزم في سورية فسيعني ذلك انتشار الطاعون في العالم.
الصينيون مثل الروس، والإيرانيين، وقوى المقاومة في المنطقة يدركون جميعاً، وعلى اختلاف مصالحهم، أن ما يقوم به الغرب في ليبيا، ومناطق أخرى من الشرق الأوسط لا يجوز أن تنطلي عليهم أكاذيبه- فالمثل الصيني يقول: (لو خدعني أحدهم مرة فعيبٌ عليه، ولو خدعني مرتين فعيبٌ عليّ) أما العرب فقالوا: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن