قضايا وآراء

عون رئيس للبنان .. سين – سين من نوع آخر De facto

| د. مهدي دخل الله 

عندما شاهدت الحريري حالقاً ذقنه الصغيرة (السكسوكة) مستبدلاً إياها بلحية شبابية عادية تيقنت أن الرجل لا يريد حتى هذا الرمز السعودي على وجهه.

يبدو أن «فقه الضرورة» هو السيد في الحالات المستعصية. هذا ما أثبتته التطورات – الإيجابية – الأخيرة في لبنان حيث تكون «الواقعية الفجة» الخيار الأفضل – أو الأقل سوءاً – بالنسبة لكل المتخاصمين.
إن التراجع الواضح للتأثير السعودي في لبنان بعد أن تبين خداع «الوعود الكبيرة» التي كانت «مجرد كلام في كلام» فرض توازناً جديداً على الساحة اللبنانية تصبح فيه الرياض الطرف الأضعف بالمقارنة مع ما كان عليه الوضع قبل عقد من الزمن.
ومن جانب آخر، كان لابد من انعكاس للمواجهة القائمة بين حزب اللـه والمرتزقة الإرهابيين الممولين من السعودية على الأرض السورية. الانعكاس جاء لصالح «محور المقاومة» بسبب أن التوازن الميداني في معركة القرن ضد الإرهاب هو لصالح هذا المحور.
أما التورط السعودي في اليمن فهو عامل آخر أسهم في إضعاف دور الرياض في لبنان، أضف إلى ذلك مشاكلها المالية غير المسبوقة التي دفعت بوزير ماليتها إبراهيم العساف إلى الاعتراف – حرفياً – بأنه لولا إجراءات التقشف والاستقراض من الخارج لتعرضت البلاد إلى الإفلاس (يوم الاثنين تمت إقالة الوزير العساف لاعترافاته هذه). هذا أمر مهم لأن عامل القوة الأساسي لدى السعودية هو عامل المال ولاشيء غيره.
ولا شك في أن هناك خلافات ما بين سعد الحريري والسعودية أقله مع جناح ولي العهد محمد بن نايف. بدليل أن سعد الحريري كان «محجوزاً» في السعودية لفترة طويلة باستثناء قدومه إلى لبنان لفترة قصيرة مرتين بمهمات سعودية مستعجلة ولا شك في أن قراره بالاستقرار في لبنان هو تمرد من نوع ما على الرياض.
والدليل الآخر على المشكلات بين الطرفين هو أن السعودية صنعت للحريري «حصان طروادة» داخل تياره، فظاهرة «التمرد» على الحريري من أشرف ريفي وفي بعض الأحيان من السنيورة تؤكد هذه «الصفعة» السعودية لسعد لعله يفهم الدرس، وخاصة أن مجموعة ريفي تتسع باستمرار.
أضيف هنا مشاكل شركة الحريري (سعودي أوجيه)، وما لدي من إحساس عندما كنت سفيراً في السعودية حيث لاحظت عندها أن الحريري شخص «مكروه» وأنه إذا أراد مقابلة محمد بن نايف فعليه أن يذهب إلى المغرب لعله يحظى هناك بمقابلته.
هذه الظروف والتطورات كلها سهلت انتصار «الشخص المدعوم من حزب اللـه» وبالتالي من محور المقاومة – بشكل غير مباشر – في معركة الرئاسة. إن انسحاب مرشح السنتين ونصف السنة سمير جعجع والتنافس بين مرشحين من الخط السياسي نفسه (والتعبير لسليمان فرنجية) يؤكد التراجع الفعلي لدور السعودية في لبنان لصالح محور المقاومة.
ولعل كل ما يحصل في البلد الشقيق المجاور واحد من الانعكاسات الإيجابية للتوازن الميداني والسياسي في سورية (والعراق) الذي يميل إلى الجانب الذي تعاديه السعودية، ناهيك عن النار تحت الرماد في العلاقات بين القاهرة والرياض.
إذا جاء الحريري رئيساً للحكومة تكون «السين – سين» قد عادت عملياً (de facto) أي أنها «مفروضة بحكم الواقع على السعودية» بينما يكون «الحل اللبناني» الذي نشهده اليوم خياراً حراً لمحور المقاومة، أي – عملياً – لسورية.
كلنا يعلم أن العلاقات الدولية تخضع لنهج أساسي هو العلاقات الرسمية الدبلوماسية (de jure)، لكن هناك نوعاً آخر من العلاقات يقوم عملياً فقط (de facto). وقد يحصل أن يقوم حدث من نوع (de facto) دون أي اتصال أو تنسيق كما حصل الآن مع لبنان فهذا يعني أنه مفروض فرضاً على الطرف السعودي بحكم الواقع.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن