سورية

«الديمقراطية» أطلقت حملة باتجاه المدينة وسط تشكيك جنرالات «البنتاغون» في خطط كارتر … واشنطن تمضي إلى الرقة من دون تركيا.. وأنقرة تضع يدها على الزناد

| أنس وهيب الكردي

اتخذت الإدارة الأميركية الديمقراطية قرارها الحاسم؛ إطلاق عملية الرقة من دون الأتراك، وذلك عشية الانتخابات الأميركية. وربما اندفع الأميركيون إلى المعركة، التي أبدى جنرالات كبار في وزارة الدفاع شكوكهم حيالها، ولو أدى ذلك إلى إغضاب حلفائهم الأتراك، لتعزيز حظوظ مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون لانتخابات الرئاسة الأميركية، بعدما ترنحت حظوظها للفوز، وتلميع إرث الرئيس باراك أوباما المغادر للبيت الأبيض مطلع العام المقبل.
وخلال الأسبوع الماضي، واظب مسؤولون أميركيون كبار على التأكيد أن معركة الرقة ستنطلق خلال أسابيع، ليتضح أنهم كانوا يخادعون حلفاءهم الأتراك، وأن ما كانوا يقصدونه بالأسابيع هو مجرد أيام، وأن حديثهم عن «دور تركي» ليس أكثر من التحاق تركيا، بخطط العمليات التي وضعتها وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون». وبات معلناً أن رأس حربة عملية الرقة ستكون «قوات سورية الديمقراطية»، وعمادها «وحدات حماية الشعب» الكردية، المصنفة على لوائح الإرهاب التركية. وحضرت أميركا عملياً للمعركة طويلاً عبر نشر قواتها في منبج وتل أبيض لحماية ظهر «وحدات حماية الشعب» وهي تقاتل في الرقة، وربما كانت مكافأتهم أميركياً، على القتال في هذه المدينة هي تثبيت حضورهم في ريف حلب الشمالي وبالتالي تعميد «الكيان الفدرالي» في شمال سورية. ويبدو أن الأتراك قد حشدوا قواتهم شمال سورية والعراق ووضعوا أيديهم على الزناد.
وتجنباً لإحراج أنقرة، دفعت واشنطن «قوات سورية الديمقراطية» إلى الإعلان عن بدء عملية الرقة. وأكدت القوات أنها بدأت «حملة عسكرية واسعة للسيطرة على مدينة الرقة من مسلحي داعش وذلك بدعم من التحالف الدولي» الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش.
والتزمت «الديمقراطية»، بالأهداف الأميركية للحملة، المتمثلة في عزل تنظيم داعش في الرقة عن بقية قواته في العراق ودير الزور، ومنعه بالتالي من المناورة ما بين سورية والعراق. وفقاً لموقع قناة «روسيا اليوم» الإلكتروني. وذكرت «الديمقراطية» أنها «اتخذت إجراءات لمحاصرة المدينة وقطع طرق الإمداد عن مسلحي التنظيم فيها، نافيةً «أي مشاركة تركية في الحملة».
ونهاية الأسبوع الماضي، أكد المتحدث باسم «الديمقراطية» طلال سلو قرب انطلاق حملة عسكرية مدعومة من التحالف الدولي، وبقيادة «الديمقراطية» للسيطرة على «مدينة الرقة المحتلة من داعش»، وبين أنه «تم حسم موضوع (المشاركة التركية في الحملة) مع التحالف بشكل نهائي»، وأضاف بشكل قاطع: «لا مشاركة لتركيا».
وحسب فضائية «الجزيرة» الإخبارية، حصلت «الديمقراطية» الأسبوع الماضي، على أسلحة وذخائر متطورة من التحالف الدولي تمهيداً لعملية الرقة. وبينت الفضائية أن الأسلحة وصلت عبر مطارات القواعد العسكرية في رميلان والمالكية وعين العرب، والتي تخضع لسلطة الإدارات الذاتية التي أعلنها من طرف واحد حزب الاتحاد الديمقراطي (بيدا).
وخلال التحضيرات لعملية الرقة، حاول المسؤولون الأميركيون تهدئة مخاوف نظرائهم الأتراك من مشاركة «حماية الشعب» في الحملة على الرقة، خصوصاً أن الأتراك لم يخفوا رغبتهم في المشاركة بالعملية لكنهم اشترطوا لمشاركتهم إقصاء الوحدات عنها، واعتماد مليشيات «الجيش الحر» المدعومة تركياً. وأكد وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر الأسبوع الماضي، أن عملية تطويق مدينة الرقة ستتم قريباً، وأشار إلى أن التباحث مع الأتراك مستمر حول الدور الذي يمكن أن تلعبه أنقرة في العملية، مذكراً الأتراك بالدعم الذي توفره واشنطن لتدخل القوات التركية في الخط الواصل ما بين جرابلس ومارع، من دون أن يتحدث عن الباب أو منبج أو حتى إعزاز، واصفاً التعاون الأميركي مع الأتراك بأنه «على درجة كبيرة من الأهمية، حيث يسهم في تحقيق أمن الحدود التركية». وفي إشارة إلى نفاذ الصبر الأميركي حيال المماطلة التركية، قال «البنتاغون» الاثنين الماضي، إن من مصلحة تركيا وعدد من الشركاء في التحالف أن يلعبوا دوراً رئيسياً في عملية الرقة التي ستنطلق «خلال أسابيع».
ويبدو أن المصالح السياسية للحزب الديمقراطي الأميركي ولكارتر شخصياً هي تحرك قرار عملية الرقة، إذ إن إعلان الوزير الأميركي عن إمكانية بدء عملية الرقة قريباً «فاجأ» قادة بلاده العسكريين، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية. ويتم تداول معلومات عن أن كارتر أراد من وراء إطلاق عملية الرقة تحسين فرص كلينتون في السباق إلى البيت الأبيض، كي يضمن استمراريته على رأس وزارة الدفاع الأميركية إذا ما فازت المرشحة الديمقراطية.
وفي الجلسات الخاصة، أعرب عدد من كبار الضباط الأميركيين عن شكوكهم في إمكانية البدء قريباً بمعركة الرقة نظراً لتعقيد النزاع السوري. وقال مسؤول في «البنتاغون»، طلب عدم كشف هويته، بعد انتقاء كلماته بدقة أن برنامج كارتر الزمني «متقدم قليلاً على ما سمعته حتى الآن». وأكد مسؤول آخر في الدفاع أن توقعات العسكريين بشأن الرقة، لا تتطابق مع ما قاله كارتر.
وقبل بدء هجوم بري سيجري على الأرجح وفق الخطوط نفسها المعتمدة في الموصل حاليا، سيكون على طائرات التحالف استكمال «عزل» و«رسم حدود» الرقة و«تغطيتها». وهذا يتطلب ضربات جوية متواصلة على المواقع القتالية للتنظيم الجهادي وقطع طرق الإمدادات إلى المدينة ومنها. وبين الناطق باسم التحالف الدولي الكولونيل جون دوريان أن هذه العمليات نجحت جزئياً حتى الآن، وقطعت الطرق من الرقة إلى أوروبا وبالعكس، في إشارة بشكل خاص إلى عمليات منبج، تل أبيض، درع الفرات.
وأضاف: «ما نتحدث عنه هو درجة متقدمة من العزل تقلص إلى حد كبير حرية تنقل داعش إلى خارج وإلى داخل المدينة».
وأشار مسؤول عسكري ثالث إلى أن الهجوم على الرقة يمكن أن يبدأ قبل 2017 «لكنه قد يستمر لفترة أطول لأسباب لا نستطيع السيطرة عليها». وشدد على أن الأمر «متوقف على القوات المحلية» في إشارة إلى ميليشيات «سورية الديمقراطية»، مضيفاً «إذا كانوا مستعدين فنحن مستعدون».
وأمضى التحالف أشهراً في تدريب «الديمقراطية» بما في ذلك على طريقة استدعاء ضربات جوية، لكن وزارة الدفاع الأميركية اعترفت بأن بعض المقاتلين العرب لم ينهوا بعد التدريب الذي يستمر أسابيع. كما يعتقد «البنتاغون» أن أعداد المتطوعين ضمن هذه القوات ستتزايد مع تقدم العمليات. وتتوجس العشائر العربية، الموزعة ما بين الولاء للحكومة السورية والمعارضة، من مشاركة الأميركيين والأكراد في العملية.
والمسألة الأخرى التي تزيد الوضع تعقيداً هي تركيا، التي تدعم طرد داعش من الرقة لكنها تعارض إقامة كيان كردي على أنقاض خلافته.
ويتوقع أن تتقدم «وحدات حماية الشعب» لاستعادة الرقة لكنها لن تدخل المدينة، ممهدة الطريق بذلك للمليشيات العربية ضمن «الديمقراطية» للقيام بذلك.
والسؤال الآخر هو الدور الذي سيلعبه الجيش التركي إذ إن التقدم باتجاه الرقة يمكن أن يتباطأ إذا كان المقاتلون مضطرين لحماية ظهرهم من الأتراك.
ولا يبدو أن الأتراك بصدد تسهيل مهمة الأميركيين في الرقة، إذ أفاد وزير الدفاع التركي فكري إيشك أمس أن بلاده أكملت استعداداتها على طول الحدود مع كل من سورية والعراق، تحسباً لأي تطور جديد يمكن أن يحدث في هاتين الدولتين من شأنها أن تؤثر على الأمن الداخلي التركي.
وأوضح إيشك في تصريح صحفي أن الحشود العسكرية التي ترسلها بلاده إلى المناطق الحدودية مع سورية والعراق، تأتي ضمن إطار التدابير التي تتخذها حكومة بلاده تجاه أي محاولة للتغيير الديمغرافي في تلك المناطق التي أعلنتها تركيا خطوطاً حمراء بالنسبة لها.
وأفشلت واشنطن خطط أنقرة لزعزعة استقرار مدينتي منبج (ريف حلب الشمالي) وتل أبيض (ريف الرقة الشمالي)، الخاضعتين لسيطرة «وحدات حماية الشعب»، ما يؤدي إلى فرض اللاعب التركي على الولايات المتحدة رقماً صعباً في معادلة السيطرة على الرقة. ونشر «البنتاغون» جنوداً من القوات الخاصة الأميركية في هاتين المدينتين كضمان للوحدات ضد تركيا، كي تتمكن من التفرغ لقتال داعش في الرقة. وبعد أن كانت واشنطن قد دعمت مطلب أنقرة انسحاب «حماية الشعب» من منبج، تحركت الدبلوماسية الأميركية إلى الغموض تجاه وعودها للأتراك. وتعليقاً على أنباء تحدثت عن نية واشنطن وأنقرة إرغام «حماية الشعب» على مغادرة مدينة منبج، قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر: «رأيت هذه التقارير، لكنني لا أستطيع تأكيد أي شيء.. أنها المرة الأولى التي أسمع فيها عن محاولات تتخذ (لفعل ذلك)».
وأكد تونر في موجز صحفي يومي، أن وحدات حماية الشعب «جزء» من التحالف ضد داعش، وأن بلاده تتعاون معها منذ وقت طويل، مثلما تتعاون مع التركمان والعرب في سورية، وأعرب عن تفهم واشنطن لقلق تركيا حيال «بعض عناصر» وحدات حماية الشعب فقط»، وأشار إلى أن واشنطن طالبت «الوحدات» أن «تتمسك بالتزاماتها بشأن أماكن تموضعها في شمال سورية»، من دون أن يوضح ماهية تلك الالتزامات. وتتخوف أنقرة من صفقة بين أميركا ووحدات حماية الشعب؛ تشارك بموجبها الأخيرة في عملية الرقة مقابل موافقة الأولى على انتزاع الوحدات ممر يصل عفرين بشرق نهر الفرات عبر الباب ومنبج، ما يعني إخفاق عملية «درع الفرات» في منع الكانتون الكردي شمالي سورية.
وعلى خط مواز تباطأت عملية «درع الفرات» وانحصر القصف التركي على مواقع وحدات حماية الشعب في تل رفعت. واضطر الجيش التركي أول أمس إلى دعم ميليشيات «الحر»، بأكثر من 70 عملية قصف على أهداف داعش.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن