قضايا وآراء

«الفيدرالية».. هذا الخنجر المسموم

| صياح عزام 

مع بدء معركة تحرير الموصل من تنظيم داعش الإرهابي، عاد من جديد الحديث عن تأسيس «فدرالية» تضم المحافظات السنية وهي (الأنبار ونينوى وديالي وصلاح الدين).
وكان الاحتلال الأميركي، قد أطلق على هذه المحافظات اسم المثلث السني. وبطبيعة الحال، إذا ما تحقق ذلك- لا قدر الله- يكتمل تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات: كردي في الشمال، وسني في شمال بغداد وغربها، وشيعي في بقية المناطق العراقية، ويصبح هذا التقسيم أمراً قائماً على الأرض.
وبذلك يتم إنجاز أحد أهم أهداف الاحتلال، بعد أن اتخذ مشروع التقسيم شكله القانوني من خلال دستور حاكم العراق الأميركي بول بريمر الذي أشرف على إعداد ذلك الدستور.
إن مشروع التقسيم هذا، الذي مهد له الدستور المذكور، يعد سابقة خطيرة في التاريخ العربي المعاصر لا مثيل لها، إذ ميّز بين الأرض والشعب الذي يقيم عليها، وأعاد تركيب الجغرافيا العربية بما يتلاءم مع سياسة التفتيت ومصادرة الهوية القومية، وهو أي التقسيم، ثمرة أول دستور لبلد عربي يصدر بإرادة «محتل أجنبي» ويأتي مخالفاً لرغبة العراقيين، وللمكونات التي صنعت تاريخ العراق وأمجاده، ومتماهياً مع مصالح أميركا والغرب.
معروف للجميع، أن دستور العراق الحالي صدر في فترة احتلال غابت، أو غيّبت فيها إرادة العراقيين، وعروبة العراق، وآلية العمل لترسيخ الوحدة الوطنية؛ فترة أعادت العراق إلى عصور الطوائف الغابرة!
لم يشهد العراق في تاريخه حروباً طائفية، بل اختلطت دماء أبنائه، وتقاسم الكثير من عائلاته الانتماء لهذه الطائفة أو تلك، وأصبح من الصعب الفصل بين العراقيين على أساس انتماءاتهم الطائفية، حتى إن الصراعات الإثنية التي شهدها شمال العراق بين زعامات كردية تقليدية والحكومات المركزية في بغداد، لم تكن إلا بتحريض خارجي لدعم التجزئة ولتنفيذ مصالح أجنبية، بمعنى أنها لم تكن نزعات انفصالية للاستقلال عن العراق كما روّج لها.
إضافة إلى ما تقدم ذكره، إن مسألة التقسيم في سياق الحديث عن الفيدرالية هي مسألة مشوهة وزائفة، لأن التقسيم كمفهوم، يتعارض مع تعريف الفيدرالية وشروطها، فالفيدرالية هي نوع من الحكم توزع فيه السلطة بنسب محددة بين المركز والأقاليم التابعة له، ويلجأ إليها عند تعمق الاختلاف وصعوبة التوحد. وعلى هذا الأساس تكون الفيدرالية خطوة متقدمة بين دول متباينة في ثقافاتها ومصالحها وبناها الاجتماعية وانتماءاتها القومية والسياسية والدينية، تفرض عليها الظروف حالة من التعاضد والتعاون والتنسيق والتكامل، وصولاً إلى تحقيق نوع من الوحدة، والانتقال من حالة التشرذم إلى تحقيق قدر مقبول من اللحمة.
لقد أصبح من القوانين المعروفة في العلوم السياسية في التاريخ المعاصر، أن الفيدراليات تقام بين دول ترغب في إنشاء حالة من الوحدة بعضها مع بعضٍ لأنه يصعب تحقيق وحدة اندماجية كاملة بينها نتيجة عوامل موضوعية وموروثات تاريخية.
إذاً، الفيدرالية لا مكان لها بين شعوب تمكنت من تحقيق وحدة اندماجية بينها، وعاش أبناؤها في وئام وسلام. ولم يعرف التاريخ انتقال شعوب من وحدة اندماجية قائمة إلى أنظمة فيدرالية.
كذلك أثبت التاريخ، أن العقود التي تبرمها الشعوب حين تختار شكل الدولة، هي عقود غير قابلة للنقض. وعلى هذا الأساس، تبدو الفيدرالية العراقية التي يروج لها غير منطقية، ونشازاً مغايراً لحقائق التاريخ والجغرافيا والسياسة، ولذلك ينبغي رفضها وطنياً وقومياً.
باختصار، الفيدرالية التي تريد الولايات المتحدة وحلفاؤها وعملاؤها فرضها على شعب العراق، هي خنجر مسموم في الجسد العربي، وإلا فكيف يمكن تفسير القول «إن العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب وهو جزء من الأمة العربية، وجزء من العالم الإسلامي»؟! وهل يقبل العراقيون الذين تعربت أرضهم منذ آلاف السنين ألا تكون عربية؟! وهل يقبل العراقيون أن تمسح هويتهم العربية التاريخية؟! بالتأكيد لا يقبلون بذلك، وبالتالي يرفضون الفيدرالية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن