اقتصاد

من «مصّاص» إلى «بنك» دم!

| علي هاشم

انتهت «أربعائية التجار الإعلامية» الأخيرة على خير ما يرام، وعاد جمعها -تجارا وصحفيين- كل إلى موقعه غانما يجر وراءه خلاصة بسيطة: ثمة «شياطين صحافة» يريدون بالتجار شرّا!
كان اعتلاء الإعلاميين منبر التجار المطعّم بـ«العجمي» ثمناً كافياً لتلاوتهم فعل الندامة!، فذهبوا بعيدا في التشكيك بـ«دراية» بعضهم بالاقتصاد، ليطالب آخرون بـ«تخصص ضمن تخصص»، قبل أن يقر ثالث بـ«شخصنة» بعض صحفنا لعلاقتها مع التجار!.
من نافل القول أن صعود منبر التجار -ولو لوهلة- عادة ما يتطلب ترك الجذور خارجاً، ورغم ذلك، فما جرى في تلك الأربعائية لم يكن ليستوقف أحداً، لولا ما ساقه التجار خلالها: تمهيداً واختتاماً.
ففي تقديمه لـ«الأربعائية»، ذهب شيخ تجارنا لاتهام «الصحف التي تَصِمُ التجار بالجشعين ومصاصي الدماء..» مؤكداً أنهم «تناولوا التهريب مرات كثيرة.. وبالفم العريض»، وفي ختامها، قدمت عضو في «سيدات أعمال دمشق» إضافة مبدعة أعلنت خلالها «خجلها» من «المذيعين وبرامجهم السيئة وغير الحضارية في اللغة والهندام».. على الأغلب، يبدو خجلها عضالاً لا دواء له، إلا أن في حديث شيخ تجارنا ما يستحق التعقيب.
من حيث المبدأ: الجاحد وحده من ينتقص نخبته التجارية والغافل من يفشل بالتقاط الروح الوطنية لشيخها، وأيا كان من نعتهم بـ«مصاصي دماء»، فأمامهم فرصة كبيرة للتملص منها والتحول لما يشبه «بنوك دماء» تدفع النسغ في جسد الاقتصاد الوطني عبر خفض الاستيراد وتشجيع بدائله المحلية ودعم إنتاجها وتسويقها باستثمار علاقاتهم الخارجية.
كما يمكن للتجار ترسيم علاقتهم بالجمارك ووقف مسرحياتها، كتلك التي استُعرضت في 2015 حول ما يدفعونه من «رشاوى» لشركائهم على المعابر الحدودية تهربا من الرسوم وللالتفاف على لوائح الاستيراد، وكذا مسرحية «صورة الأسواق المشرقة/ 2016» التي نجحت بمنع وصول الضابطة الجمركية إلى رفوف المتاجر حيث المهربات ما زالت تفتك بالأسواق، وصولا إلى تعاضدهم الفاضح مع بعض الجمركيين للتعمية على مصادر المهربات ومهربيها إلى أسواقنا، وتداعيهما لقطع دابر جرأة الضابطة التموينية في «لمس» البيان الجمركي -وما أدراك ما البيان!- إن أبرزه أصحاب المتاجر كبرهان على نظامية بضائعهم؟!.
كما يمكن للتجار أيضا الكف عن تحالفهم مع رجالات «هيئة المنافسة ومنع الاحتكار» للانقلاب على لوائح الاستيراد، تارة بزعم عقمها، وأخرى عبر فكرتهم المهينة للذكاء «التمويل الخارجي للمستوردات من دون الإخلال بالطلب الداخلي على القطع»!! إذ إن أحدا لم يعد على دراية تامة بأن حساباتهم الخارجية تلك إنما تترصد من خلال تحويل أرباحهم الفاحشة إلى دولار أسود!!.. ولإثبات العكس، ما عليهم سوى قبول تحدي التصريح عن حركة حساباتهم المصرفية الداخلية بالليرة والدولار.
وكدفعة «حسن النيّة»، يمكن لهم العودة إلى «حضن الوطن» و«تسليم أقلامهم ودفاترهم» الحقيقية للجهات المختصة، وليس الخلبية كما أعلن أحدهم قبل أيام، وقد يجدر بهم فكّ تحالفهم المخزي مع فاسدي وزارة المالية ممن اكتفى وزيرها بتسميتهم مستهزئاً «مرهفي القلب» ممن يلخصون دخول التجار الفاحشة إلى قروش، إذ لم تعد ممارساتهم الضريبية واكتفاؤهم بدفع ما يدفعه موظف حكومي يقبضون آلاف أضعاف دخله أمراً مقبولاً!.
وفي تلخيص اجتماعي، فعلى التجار الحذر من الحرب لئلا تحولهم إلى «أمراء»، وهو ما سيقع – رغبوا أم لا- حين تغلق ممارساتهم حلقة الحصار على معيشة السوريين واللقمة العزيزة لأطفالهم.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن