ثقافة وفن

أبناؤنا أحفادنا… صور

| د. اسكندر لوقا

تعيش اليوم سورية ظرفاً استثنائياً يتلمسه سكانها باليد، وبالعين المجردة شاهدوا ويشاهدون تبعات العدوان السافر عليها، أرضاً وبشراً، ومع هذا بقيت صامدة تواجه الحرب بصلابة، بصلابة المؤمن بقضيته التي يحارب ويضحي من أجلها، وما ترتب على سورية من التزامات، في الوقت الراهن، للدفاع عن حقوق أبنائها، فاق التصور، كان قد ترتب عليها في ظروف مشابهة في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
في تلك الحقب، دفعت سورية ثمن وقوفها في وجه الطاغية العثماني والطاغية الفرنسي، وكان ثمناً باهظاً، في مقدمها هجرة شريحة المثقفين والوطنيين من أبنائها حيث انتشروا في أرجاء واسعة من العالم، حاملين معهم أوجاع وطنهم، منتظرين ساعات الفرج كما يقال.
إن أبناء سورية اليوم، بمختلف شرائحهم عانوا ما خبره أجدادهم من قبل، ما يدعو إلى إعادة صور الماضي، أيام رحيلهم إلى خارج الوطن، مختارين دروب الهجرة إلى حيث الأمن وفرص العمل ولقمة الخبز، فصار الأحفاد منهم اليوم لا الأبناء فقط كأجدادهم القدامى مجرد صور معلقة على جدران غرف المنزل الذي طالما راودهم بين أرجائه حلم مستقبل زاه في أيام السلم قبل سنوات من زمن الطغاة الجدد من أبناء وأحفاد المستعمرين القدامى.
في زمن الحرب التي تشن على سورية منذ ست سنوات، اغتيلت أحلام العديد من شباب الوطن، فغادروه حالمين بالعودة إليه، مخلفين وراءهم صورهم معلقة على جدران منازلهم، برعاية آبائهم وأجدادهم، يخاطبونهم، كلما مروا أمام صورهم بصمت يشوبه الحنين إليهم، كما العطشان إلى قطرة ماء تروي ظمأه.
ولأن أحفادنا، لا أبناءنا فقط، صاروا صوراً معلقة على جدران منازلنا الموحشة في زمن غيابهم، وبالتالي صاروا أمراً واقعاً أمامناً لا يملك أحدنا سوى الدعاء بأن يكون الحظ حليفهم أينما كانوا بعيدين عن الوطن، إلى أن يسترد الوطن أنفاسه، ويعود أرض الأمن والأمان والأحلام الجميلة.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن