قضايا وآراء

أية استخبارات وراء اغتيال كارلوف؟

| د. حسام شعيب 

تساؤلات كثيرة ألقت بظلالها على حادثة اغتيال السفير الروسي أندريه كارلوف في أنقرة. أول هذه التساؤلات التوقيت الذي تمت فيه العملية وهو عشية عقد الاجتماع الثلاثي بين موسكو وطهران وأنقرة على مستوى وزراء الخارجية لبحث وقف إطلاق النار في جميع أرجاء سورية ودفع العملية السياسية نحو الأمام من خلال لقاء أستانة في كازاخستان للحوار السوري السوري الأمر الذي جعل الغرب في موقع المتفرج في الوضع الطبيعي الجديد في سورية بدلاً من المشاركة الفعالة، فروسيا وتركيا أخرجتا الغرب من سورية ولا يبدو أن الولايات المتحدة والقوى الأوروبية كانت على علم بالمفاوضات الجارية بين روسيا وتركيا بشأن الاتفاق على وقف إطلاق النار وإخلاء مدينة حلب بعد الانتصارات المتلاحقة التي حققها الجيش العربي السوري.
والتساؤل الثاني: البيئة والمناخ الأمني المحيط بعملية الاغتيال، فمعلوم أن حماية الدبلوماسيين هي على عاتق الدول المضيفة بموجب اتفاقية فيينا 1957م فمعرض الصور الذي قام بزيارته السفير أندريه كارلوف في أنقرة لم يكن محصناً بالطريقة الكافية والمعتادة لحماية الدبلوماسيين. فالاستهتار الأمني التركي وانقسام الدولة كان واضح المعالم في هذه العملية حيث استطاع القاتل (مولود ميرت تنتاش) وهو شرطي تركي الدخول إلى قاعة المعرض ببطاقة مزورة لحماية الدبلوماسيين عدا حمل السلاح والاستعراض الذي قام به أمام كاميرات التصوير ونشر الفيديو من دون منعه.
التساؤل الثالث: وهو الأهم برأيي الأسباب الحقيقية والموجبة التي دعت القاتل التركي (مولود ميرت تنتاش) للإقدام على هذه العملية بجرأة والعبارات التي تحدث بها قبل إردائه قتيلاً، فمعلوم لكل متتبع أن العلاقات الروسية التركية تحولت إلى علاقة دافئة، من خلال البحث عن مصالح اقتصادية تبادلية بين البلدين حتى وصلت هذه المصالح إلى موافقة روسيا بيع (إس 300) لتركيا رغم خلاف البلدين في مسألة الملف السوري وكل هذه العلاقات التي بدأت تزداد وتيرتها السياسية والاقتصادية لم تكن قبل 15 تموز 2016م، حيث أنقذت الاستخبارات الروسية والإيرانية أردوغان من مخطط الانقلاب الحتمي على حكمه ما سمح لأردوغان بالقيام بعملية تطهير وتنظيف للمؤسسات التركية بما فيها المؤسسة العسكرية من المتبعين والموالين لفتح اللـه غولن الموجود أصلاً في الولايات المتحدة الأميركية، وقد وجهت الحكومة التركية الاتهامات لأميركا بدعمها للأخير، ويبدو أن عمليات التطهير التي قام بها أردوغان لم تكن كافية، فثمة خلايا نائمة تحمل الفكر الإسلامي الرجعي المتطرف، بدليل انتماء الشرطي التركي القاتل لحركات تكفيرية وثمة معلومات تشير قبل عام إلى استجوابه بسبب حمله أفكاراً إسلامية متطرفة.
وبسبب وجود هذه الإيديولوجية الدينية التكفيرية عند بعض المسلمين وجدت الإمبريالية الاستعمارية والصهيوأميركية ضالتها في تهيئة أدوات لتنفيذ مشاريعها في المنطقة والعالم ولو لبست هذه الأدوات اللبوس العربي والإسلامي أحياناً.
وهذا ما يفسر لنا الحملة التكفيرية والتحريضية التي شنها الإسلاميون بعد دخول المقاتلات الفضائية الروسية الأجواء السورية لمكافحة الإرهاب وإرساء الأمن والاستقرار في أيلول 2015م حيث وصف هؤلاء روسيا في حينها وما زالوا بـ(الصليبية) و(الكافرة)، وجعلوا مصالح روسيا ورموزها أهدافاً لهم، وكلنا يتذكر تلك القذائف التي تنهمر مما يسمى جيش الإسلام المدعوم من النظام السعودي على السفارة الروسية بدمشق، وليس من باب المصادفة أن تبث قناة BBC قبل وقوع حادثة اغتيال السفير الروسي بيومين فيلماً وثائقياً بعنوان (جريمة في اسطنبول) لتوثيق تهم للاستخبارات الروسية في ضلوعها بقتل شخصيات تنتمي للقاعدة وتحمل الفكر الإسلامي المتطرف في الشيشان وبعضها قد دخل إلى سورية.
أليس غريباً أن يتباكى ما يسمى المجتمع الدولي على حلب وأن يطلب الإسلاميون الرجعيون وأنظمتهم المتخلفة والدول الغربية وأميركا وقف إطلاق النار في حلب ومواجهة روسيا.
واضح أن عملية اغتيال السفير الروسي هي عملية مدبرة، وهي من صنع استخبارات إقليمية ودولية، والعبارات التي نطق بها القاتل ما هي إلا لتشويش وإشغال الرأي العام عن الهدف الحقيقي من هذه العملية، حلب كانت الذريعة المعلنة ولكن بتقديري السبب الحقيقي هو إيصال رسالة لروسيا والرئيس بوتين بعدم قبولها كلاعب إقليمي ودولي مؤثر في السياسات الدولية ورسم معالم جديدة للعالم يسوده الأمن والاستقرار وعدم التدخل بشؤون الدول ومكافحة الإرهاب. ولا أستبعد تنفيذ إدارة أوباما الحالية لهذه العملية خصوصاً أن الرئيس الأميركي الحالي أوباما قد هدد روسيا قبل أيام بحجة الاختراق لأجهزة الحاسوب في الانتخابات الأميركية ليرد أوباما ويقول (سنرد على روسيا في المكان والزمان المناسبين). ولكن رد الرئيس بوتين الذي جاء عقب عملية اغتيال السفير أندرية كارلوف كان مفاجئاً للعالم عندما قال: (ستجدون فرقاً بعد اغتيال السفير) لعل الحقيقة الأكيدة مدفونة في جثة القاتل (مولود ميرت تنتاش) وهو سبب كاف للتخلص منه من دون إبقائه على قيد الحياة، والقبض عليه لكي تموت معه الحقيقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن